فهل ستبادر الحكومة العتيدة لمبادرة تشكل مدخلاً لتصجيج علاقات لبنان بمحيطه العربي.
 

على الرغم من السرية المطبقة على اجتماعات المسؤولين اللبنانيين مع بعثة وفد صندوق النقد الدولي وندرة المعلومات الواضحة التي رشحت عنها ، او مع السفراء الغربيين، والمسؤولين الأمميين الذين يقومون بزيارات استطلاعية على هامش تقديم التهنئة بالحكومة الجديدة، فإن ما توافر نقلا عن وزراء بارزين لا يطمئن كثيرا حيال مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي والاجتماعي والمالي. هذا من جهة ومن جهة ثانية لا يحتاج المرء إلى الكثير من الجهد، ليفهم بشكل لا يثبل اللبس أن الهوة بين لبنان والدول الخليجية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، تتسع أكثر فأكثر دون أية معطيات، من شأنها أن تفتح ولو ثغرة صغيرة في الجدار الأصم مع دول الخليج التي ما كانت يوماً على هذه الدرجة من الاستياء من سياسة المسؤولين اللبنانيين كما هي اليوم . فللمرة الأولى في تاريخ لبنان يتجنب السفراء الخليجيون زيارة رئيس حكومة لبنان الجديد، أو الوزراء الجدد للتهنئة، في مفارقة لافتة، طرحت الكثير من التساؤلات عن طبيعة المرحلة التي ستتحكم في علاقات لبنان مع أشقائه العرب في دول الخليج . 

 

وقد برز هذا الاستياء الخليجي واضحاً بشكل لا غبار عليه، في الحضور الدبلوماسي إلى جانب التمثيل الأجنبي الرفيع، في ذكرى الرابع عشر من شباط في بيت الوسط، مقابل الإحجام عن زيارة كبار المسؤولين بعد تأليف الحكومة، في رسالة بالغة الدلالة على مدى السوء الذي وصلت إليه علاقات لبنان، بالدول الخليجية والأجنبية، نتيجة تشكيل حكومة اللون الواحد، والتي كان يفترض أن تكون ممثلة لأوسع شريحة من اللبنانيين، وسط مخاوف من أن يترك هذا التردي في العلاقات، انعكاسات بالغة السوء على لبنان، وتحديداً على المستوى الإقتصادي ، ولا تخفي أوساط سياسية ودبلوماسية قلقها من مغبة أن يدفع لبنان الثمن غالياً، جراء تفرد حزب الله تشكيل حكومة وفق ما يخدم مصلحته، ولا تحظى بالتغطية السياسية والشعبية المطلوبة، في حين كان المطلوب تأليف حكومة جامعة تأخذ على عاتقها مواجهة التحديات التي ينتظرها لبنان، في ظل الأزمة المالية الخانقة التي أرهقت كاهله، وأسقطته في الهاوية التي لطالما حذرنا منها في العديد من المقالات  فيما لا يبدو أن هناك إمكانية للخروج من هذا الواقع السلبي الذي ينذر بمضاعفات على درجة عالية من الخطورة، في حال لم يبادر لبنان إلى القيام بما هو مطلوب منه على صعيد الاصلاحات، وإلى تصحيح علاقاته مع الدول الخليجية والعربية، مشددة على أن المقاطعة العربية للحكومة، ستشكل ضربة موجعة للحكومة، لا يمكن التخمين بمدى الأضرار التي ستلحقها بالبلد، إذا لم يقرأ المسؤولون اللبنانيون جيداً، أبعاد رسائل الاحتجاج الخليجية التي عبر عنها سفراء مجلس التعاون في لبنان، بامتناعهم حتى الان عن زيارة الرئيس دياب، ولو بروتوكولياً للتهنئة، وبالتالي القيام بما ينبغي عليهم القيام به، لإصلاح مكامن الخلل في العلاقات . 

 

وإستناداً إلى المعلومات المتوافرة فإن هناك خشية لدى الأوساط السياسية والاقتصادية، وفي ظل الواقع المؤلم الذي يعانيه لبنان، أن يواجه البلد عزلة خارجية غير مسبوقة، ستغرقه أكثر وتجعله محاصراً بشروط الدول المانحة، وبالتالي غير قادر على الالتزام بتنفيذ ما هو مطلوب منه. إذا أن هناك اقتناعاً راسخاً وأساسياً لدى هذه الأوساط بأن لا قيامة للبلد من محنته، إلا إذا أتته مساعدات من الدول الخليجية الشقيقة التي لم تقصر يوماً في مد يد العون له، ما يحتم على أهل السلطة الذين وقفوا متفرجين، أمام تحول لبنان إلى منصة للتهجم على دول مجلس التعاون، أن يعيدوا حساباتهم، ويتخذوا الموقف الذي ينسجم مع مصلحة لبنان، قبل مصلحة الآخرين، في الداخل والخارج .

 

إقرأ أيضًا: بين الكورونا واليوروبوند والتصنيف الدولار إلى أين ؟

 

وليس مستغرباً في ظل هذه الأجواء، وكما تشير المعلومات أن لا تحصل استجابة خليجية، لما سبق وتعهدت به دول مجلس التعاون في مؤتمر سيدر، إذا لم يحصل تغيير جدي وملموس في الأداء من جانب المسؤولين اللبنانيين. وصحيح أن وزير المال السعودي محمد الجدعان أبدى استعداد بلاده لمساعدة لبنان، إلا أن الصحيح أيضاً، هو أن المملكة العربية السعودية، كما هي حال بقية الدول الخليجية ليست مستعدة لتقديم شيك على بياض للبنان، طالما استمر حزب الله وحلفاؤه بالتصويب على هذه الدول، والإساءة إليها خدمة للأجندة الإيرانية العدائية ضد دول الخليج العربي .

 

وكرة النار التي تحيط بالبلد لا تقتصر على ملف الدين الخارجي. فهناك ازمة المالية العامة التي لا تقل خطورة مع تسلم وزارة مكسورة على ٣ آلاف مليار ليرة، قيمة العجز المقدر فيها. والدعم الدولي بات مشروطا بأمرين أساسيين يتمثلان ببدء تنفيذ الاصلاحات في الكهرباء تمهيدا لاقرار سلة من الاصلاحات المالية الاخرى، والحصول على رضى الاسرة العربية التي تشكل الممول الرئيسي للبنان.

 

الأمران لا يبدوان متاحين اليوم. فالدعم العربي لم يتجلى بعد بأي زيارة تهنئة بالحكومة، فيما الجولة الخليجية لرئيس الحكومة لا تزال رهن بلورة موقف لبناني رسمي واضح من المحيط العربي، أقله في التزام سياسة النأي بالنفس التي التزمتها الحكومة في بيانها الوزاري. ولم تكن زيارة رئيس مجلس الشورى الايراني علي لاريجاني، كأول زيارة لمسؤول من الخارج الا لتصب زيتا على نار خرق النأي، في ظل الموقف المحتضن والداعم لطهران.

 

 فهل ستبادر الحكومة العتيدة لمبادرة تشكل مدخلاً لتصجيج علاقات لبنان بمحيطه العربي وللحديث صلة .