لم يكن تفاهم مارمخايل يوم توقيعه معنيّاً بالحفاظ على تراث لبنان الحضاري والتاريخي والأثري، فيمكن للتيار الوطني الحر أن يعتدي على موقع نهر الكلب التاريخي، ويختاره مكاناً مُناسباً لإقامة مقره الرسمي التاريخي، باعتبار الوطني الحر هو معلم تاريخي في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، فقد تمكّن هذا الحزب السياسي من تدمير البُنى الوطنية والسيادية والإجتماعية والمالية والإقتصادية في مدة زمنية لم تتعدّ العشر سنوات.
 

منذ أن عقد التيار الوطني الحر تفاهمه "التاريخي مع حزب الله في السادس من شباط عام ٢٠٠٦، والذي وقّعه آنذاك السيد حسن نصرالله أمين عام حزب الله، والعماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر آنذاك، وذلك في كنيسة مارمخايل، ليُعرف بعدها التفاهم باسم الكنيسة الواقعة على تخوم الضاحية الجنوبية لبيروت، والتيار يتخلّى عن أبرز مُنطلقاته في الإصلاح والتغيير الذي ارتآهُ شعاراً له، وهادياً لعمله السياسي في لبنان، ولعلّ أبرز بنود التفاهم تلك التي تتناول بناء الدولة والتي قام التيار الوطني الحر باستباحتها، فبند بناء الدولة ينص على ضرورة تفعيل عمل الأحزاب وتطويرها وصولاً إلى "قيام المجتمع المدني"، ومن ثمّ العمل على " اعتماد معايير العدالة والتكافؤ والجدارة والنزاهة"، فقام التيار الوطني الحر بعد وضع اليد على مفاصل الدولة وانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية بمنع اعتماد نتائج امتحانات مجلس الخدمة المدنية للتوظيف العام، واعتماد التوظيف العشوائي المستند للإعتبارات الطائفية والزبائنية والارتهانات الحزبية والمحاصصات.

 

في البند المتعلّق بالقضاء، نصّ التفاهم على" اعتماد القضاء العادل والنزيه باعتباره الشرط الضروري لإقامة دولة الحقّ والقانون والمؤسسات"، فقام التيار الوطني الحر بوضع اليد على وزارة العدل واستباحة استقلالية القضاء، كما نصّت بنود التفاهم على " احترام عمل المؤسسات الدستورية وإبعادها عن التجاذبات السياسية وتأمين استمرارية عملها وعدم تعطيلها"، فعمد التيار إلى تعطيل تأليف الحكومات لأكثر من مرة بانتظار الاستجابة لمطالبه وشروطه، والرضوخ لإرادته من قِبل شركائه في التسوية الرئاسية، هذا في حين أولى التفاهم لمعضلة الفساد اهتماماً بارزاً، داعياً إلى إجراء مسحٍ شامل لمكامنه، تمهيداً لفتح تحقيقات قضائية تكفل ملاحقة المسؤولين واسترجاع الأموال المنهوبة، عمد التيار الوطني الحر للإنخراط في عمليات المحاصصات الطائفية والغنائم بواسطة الصفقات، وصرف النفوذ وتكديس الثروات والفساد المالي على مدى العشر سنوات الماضية، وتفاقمت هذه المخالفات والتعديات بعد استلام الرئيس ميشال عون مقاليد الرئاسة الأولى، وسيطرة الوزير جبران باسيل على رئاسة التيار الوطني الحر واستحواذه على أكبر كتلة برلمانية وأكبر حصّة وزارية.

 

إقرأ أيضًا: رئيس جمهورية يتظاهر ضد موظف سبق له أن عيّنه في منصبه


ما يلفت الانتباه يبقى الإلتزام التام من جانب التيار الوطني الحر بكل ما يتّصل بالبنود التي تخدم سياسة حزب الله الداخلية والإقليمية، وفي مقدمتها تشريع أعمال المقاومة الإسلامية، وحمل السلاح خارج الشرعية، واعتبار " المقاومة" وسيلةً شريفة تمارسها أي جماعة تتعرّض أرضها للإحتلال، وفي هذا السياق اعتبر تفاهم مارمخايل أنّ سلاح المقاومة يقع بين حدّين: حدُّ المحافظة عليه باعتباره" يُشكّل مكامن القوة للُبنان  واللبنانيين، والحدُّ الآخر هو تحديد الظروف الموضوعية التي تؤدي إلى انتفاء أسبابه ومبررات عمله، أمّا متى يحين موعد الظروف الموضوعية ومن يُفتي بتنفيذها، فذلك عِلمُه عند علّام الغيوب.

 

لم يكن تفاهم مارمخايل يوم توقيعه معنيّاً بالحفاظ على تراث لبنان الحضاري والتاريخي والأثري، فيمكن للتيار الوطني الحر أن يعتدي على موقع نهر الكلب التاريخي، ويختاره مكاناً مُناسباً لإقامة مقره الرسمي "التاريخي"، باعتبار الوطني الحر هو معلم "تاريخي" في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر، فقد تمكّن هذا الحزب السياسي من تدمير البُنى الوطنية والسيادية والإجتماعية والمالية والإقتصادية في مدة زمنية لم تتعدّ العشر سنوات.