على رغم من أنّ «اتفاق معراب» لم يُؤتِ ثماراً كثيرة، على الصعيد الوطني عموماً وعلى المستوى المسيحي خصوصاً، إلّا أنّه نجح في إنجاز قانون انتخاب مكّن المسيحيين من إيصال ممثليهم الى البرلمان، بعد أن كان النواب المسيحيون يُنتخبون بأصوات المسلمين، وفق القوانين التي اعتُمدت منذ 1992. ومكّن هذا القانون «القوات اللبنانية» من زيادة تمثيلها النيابي، وكسرها للمرة الأولى سيطرة «الثنائي الشيعي» في بعلبك ـ الهرمل، وإيصال مرشحها أنطوان حبشي الى مجلس النواب بأصوات أبناء بلدته دير الأحمر. إلّا أنّ القانون نفسه حقّق لـ»حزب الله» وحلفائه غالبية نيابية، تُمّكنهم من تكوين السلطة التنفيذية والتحكّم بها طوال ولاية مجلس النواب.
 

في ميزان الربح والخسارة، مُني الرئيس سعد الحريري بالخسارة النيابية الأكبر في انتخابات 6 أيار 2018، في حين حققت «القوات» تقدّماً بارزاً، وحافظت بقية الكتل على حجمها نسبياً. إلّا أنّ تاريخ 17 تشرين الاول 2019 قلب كلّ التوازنات، فـ«الثوار» يعتبرون أنّ مجلس النواب الذي لم يحظَ بأصوات نصف اللبنانيين «لم يعد شرعياً»، وتفرض الإنتفاضة الشعبية المتعدّدة الإنتماءات الطائفية والمناطقية والعمرية، سقوطه، تمهيداً لإجراء انتخابات مبكرة تفرز وجوهاً نيابية غير مصبوغة بألوان السلطة. كذلك يُطالب المنتفضون بقانون انتخاب جديد خارج القيد الطائفي.

 

ويفرز كلّ من قانون الانتخاب وإجراء انتخابات مبكرة اصطفافات جديدة على مستوى أحزاب السلطة والكتل النيابية. وعلى جبهة المتمسكين بقانون الإنتخاب النافذ والذي يعتمد لبنان 15 دائرة انتخابية على أساس النظام النسبي، مع الصوت التفضيلي على مستوى القضاء، يقف ثلاثة أفرقاء سياسيين: «حزب الله»، «التيار الوطني الحر» و«القوات». لكن ما يجمعه القانون تفرّقه الإنتخابات، إذ إنّ «القوات» تدعو الى انتخابات نيابية مبكرة، في حين يفضّل «التيار» التركيز الآن على معالجة الحكومة للأزمة المالية ـ الإقتصادية، ويُعارض «الحزب» إجراء هذه الانتخابات قبل موعد استحقاقها.

 

وعلى صعيد قانون الإنتخاب، يعتبر «حزب الله» أنّ من يقول إنّ هذا القانون طائفي ومذهبي، لم يدرس طبيعته. وتقول مصادر مطلعة على موقف «الحزب»، إنّ «كلّ قانون هو طائفي ومذهبي ما لم نلجأ الى تطبيق المادة 95 من الدستور التي تمرّ بمراحل مختلفة، وتشكيل الهيئة الوطنية العليا لإلغاء الطائفية السياسية وانتخاب أوّل مجلس نيابي لاطائفي وتشكيل مجلس شيوخ يُمثّل العائلات الروحية ويُفوَّض القضايا المصيرية الكبرى».

 

وتشير، أنّ «الحزب» كان يُفضّل اعتماد لبنان 5 دوائر لكي تعطى النسبية كلّ مفاعيلها. كذلك كان يميل الى أن يكون الصوت التفضيلي مفتوحاً لا مقيّداً بالقضاء. إلّا أنّه وافق على التقسيمات في هذا القانون مراعاةً لـ«خاطر المسيحيين». وعلى رغم من ذلك، يرى «الحزب» أنّ هذا القانون عادل ويؤمّن صحة التمثيل، بل إنّه الأفضل في ظلّ التوازنات اللبنانية.

 

قانون الإنتخاب هذا أنتج ثماراً كثيرة لـ«التيار الوطني الحر»، فمكّنه من حصد أكبر كتلتين نيابية ووزارية، ومن تكوينه و«حزب الله» مع حلفائه، الغالبية في مجلسي النواب والوزراء. كذلك كان «التيار» ينتظر أن يقطف «الثمرة» الأكبر: رئاسة الجمهورية. إذ إنّ المسار الدستوري يقضي بأن ينتخب مجلس النواب الحالي رئيس الجمهورية المُقبل. وبالتالي إنّ هذا القانون أو أيّ قانون يُحافظ على موقع «حزب الله» نيابياً أو يعزّزه، لا يعارضه «التيار» الذي استفاد من موقع حليفه ونفوذه على كلّ مستويات السلطة والحُكم. إلّا أنّ «انتفاضة 17 تشرين» غيّرت المسارات كلّها الى وجهة غير معروفة بعد.

 

أمّا تمسُّك «القوات» بهذا القانون، الذي حقّق غالبية نيابية لـقوى «8 آذار»، فينطلق من أسباب عدة، أبرزها:

 

- هذا القانون تمثيلي لكلّ مكونات المجتمع، ويتيح لكلّ من يملك حيثية شعبية، من أفراد أو جماعات أو أحزاب التمثُّل نيابياً بأفضل تمثيل.

- الوقت الآن ليس للبحث في طبيعة قانون الإنتخاب، الأمر الذي لن يُثمر أيّ نتيجة، فكلّ القوانين الانتخابية سبق أن بُحثت ونوقشت ومُحّصت حتى وصلنا الى هذا القانون بعد أعوام عدة من التجاذبات. كذلك، إنّ كلّ القوانين المتعاقبة منذ 1992 لم تكن تمثيلية.

- أيّ بحث جديد في القوانين سيُحبط إجراء الانتخابات، والدليل الى ذلك أنّ الانتخابات الأخيرة أُرجئت لأربع سنوات لأنّه لم يُتفق على قانون انتخاب.

- من يطرح الاتفاق على قانون انتخاب جديد قبل إجراء الإنتخابات، لا يريد لها أن تحصل. وكلّ من يعارض هذا القانون هو من لا يستطيع الوصول الى الندوة النيابية الّا من خلال «البوسطات والمحادل».

 

أمّا القول إنّ هذا القانون مكّن «حزب الله» نيابياً، فهو كلام غير دقيق، حسب «القوات»، إذ يجب الإنطلاق من أنّ هذا القانون تمثيلي، ويتمثّل كلّ طرف من خلاله حسب حجمه السياسي. وبالتالي إنّ الدعوة الى الذهاب نحو قانون انتخاب جديد لكي لا يتمكّن «حزب الله» من أن يتمثّل، هو منطق غير سليم بالنسبة الى «القوات»، فيما الأساس أن نكون أمام قانون تمثيلي.

 

وتشير مصادر «القوات»، أنّ الأكثرية في المجلس الحالي، قائمة على 6 أو 7 نواب، وإذا انتقلوا الى الضفة الأخرى، تصبح الأكثرية مع الجانب الآخر، لافتةً إلى أنّ تيار «المستقبل» لو تحالف مع «القوات» في انتخابات 2018، وفق القانون نفسه، لكانت قوى «14 آذار» حصدت الأكثرية النيابية. وترى المصادر نفسها أنّ «أيّ انتخابات قد تحصل الآن، على أساس هذا القانون، وفي ظلّ تراجع الحالة العونية وعدم تحالف «المستقبل» و«التيار الوطني الحر»، ستقلب الأكثرية النيابية».

 

لكن جهات عدة، ومنها «الجمعية اللبنانية من أجل ديموقراطية الانتخابات»، تعتبر أنّ تقسيم الدوائر والمقاعد في هذا القانون، يعزّز الخطاب الطائفي للقوى السياسية، ويحدّ من التنوّع في الدوائر الانتخابية. كذلك، تطالب شريحة متنوعة من اللبنانيين بالذهاب الى قانون انتخاب خارج القيد الطائفي تمهيداً للوصول الى الدولة المدنية. ويرى البعض أنّ على «القوات» مجاراة مطلب «المنتفضين»، مثلما كانت سبّاقة في طرح مطالبهم حتى قبل انطلاق «انتفاضة 17 تشرين»، من محاربة الهدر والفساد، الى الدعوة الى تأليف حكومة إختصاصيين حياديين، وصولاً الى استقالة وزراء «القوات».

 

إلّا أنّ «القوات» تعتبر أنّ الخروج من القوانين الانتخابية الطائفية، يعني أننا أمام تغيير في النظام السياسي، ومن يفهم طبيعة المجتمع اللبناني، لا يطرح أموراً تتعلق بتغيير النظام. وتشير المصادر «القواتية»، أنّ قوى «14 آذار» عندما خاضت الإنتخابات معاً في 2005 و2009، كانت تنظر الى النائب على أساس أنّه «نائب 14 آذاري»، لا مسيحياً أو سنياً أو شيعياً أو درزياً. وبالتالي، يُمكن الفرز اليوم بين من يؤيّد الثورة ومن هو ضدّها، مع الحفاظ على التركيبة التمثيلية وعدم المس بها، على أن يكون «حسن التمثيل» هدف أيّ انتخابات.