برزت الى الواجهة العقدة الأخيرة في مسار التشكيلات القضائية المتمثلة، حسبما علمت «الجمهورية»، بإصرار رئيس الجمهورية ميشال عون و«التيار الوطني الحر» على عدم نقل النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون، في وقت يستمر مجلس القضاء الأعلى في وضع اللمسات الأخيرة على التشكيلات النهائية التي يتطلّع إليها اللبنانيون كخطوة اساسية على طريق إعادة الأمل وبناء الثقة في السلطة القضائية التي نَصّ الدستور على الفصل بينها وبين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
 

لم يخرج الدخان الابيض من بوابة قصر العدل نهاية الأسبوع، وبالتالي لم تتم حلحلة العقدة الأصعب. ويرجّح، حسب مصادر قضائية مطّلعة، عودة التشكيلات الى نقطة الصفر، وأن يتأخر صدورها أقله الى أكثر من أسبوع بسبب سفر رئيس هيئة التفتيش القاضي بركان سعد ورئيسة هيئة القضايا القاضية هيلانة إسكندر، الى قطر مطلع هذا الأسبوع في مهمة قضائية، وهما عضوان في مجلس القضاء الذي لن يعاود اجتماعاته قبل عودتهما.

 

وتتخوّف المصادر من امتعاض شعبي، (على رغم كل ما حصل من انتفاضة على سياسات المحاصصة والمحسوبيات)، نتيجة عدم الالتزام بالمعايير المحدّدة في اختيار بعض القضاة، ولاسيما الموارنة المستقلين منهم وذوي الدرجات العليا كالقضاة فادي صوان، فادي عقيقي، غسان خوري، وبيار فرنسيس، مقابل تمسّك السياسيين بتعيين قضاة محسوبين عليهم أقل درجة. كما تبرز الى الواجهة صعوبة في تعيين بديل للنائب العام في الجنوب القاضي رهيف رمضان يكون محظيّاً برضى الرئيس نبيه بري.

 

وفي السياق، يبدو انّ مجلس القضاء متّجه نحو تعديل التشكيلات التي لحقت ببعض أسماء القضاة، ومن بين هؤلاء قاضي التحقيق الأول في الشمال القاضية سمرندا نصّار التي يرجّح نقلها من الشمال وتعيينها مستشارة في محكمة التمييز. وتُعدّ نصار محسوبة أيضاً على العهد، على أن يعيّن مكانها القاضي جوني قزّي، الأمر الذي بَدا انّه لا يوافق العهد إذ لحظَ أنّ التشكيلات المعدّلة أيضاً تطاله في كل الاتجاهات والأقضية.

 

وفي قراءة لِما وصلت إليه «التقليعة» القضائية، ترجّح أوساط قضائية مطلعة أنّ التشكيلات المعدّلة لن تمر بالسهولة التي يعتقدها البعض، لأنّ العهد لن يرضى بأن ينأى عن التشكيلات والقبول بالتخلّي عن مراكز أساسية وأسماء قضاة من الصف الأول محسوبين عليه، إضافة الى الضغط الذي يمارسه بعض هؤلاء القضاة، إن من خلال التهديد بالتنحّي حيناً أو بالاستقالة أحياناً، على الرغم من طرح مجلس القضاء أسماء لقضاة بدائل كالقاضي كلود غانم أو إيلي حلو المقرّبين من العهد أيضاً!

 

وترى المصادر أنّ العهد لن يسير بتشكيلات من «الصف الثاني» ولو انها مقرّبة منه، باعتبار انّ المساس بتشكيلة «صف أول» حُسبت عليه تُربك مكانته وتزعزع موقعه في الجسم القضائي.

 

في المقابل، وَلّد هذا المشهد حالة حسّاسة لدى مجلس القضاء، الذي من جهة يريد اعتماد مبدأ الكفاءة واعادة الأمل الى اللبنانيين بقضاء مستقل ولو في حده الادنى وغير خاضع للتدخلات السياسية، ومن جهة أخرى لا يستطيع الإبقاء على غادة عون كما لا يلائمه مواجهة العهد الذي سيُعدّ تنازله عن قضاة تابعين له هزيمة، إذ انّ العهد سيشعر بفقدان السيطرة على مواقع حساسة في القضاء.

 

أمام هذا الواقع تبدو التشكيلات في الثلاجة ومتعثرة، والمجلس في حال ترقّب بانتظار تسوية معقولة ترجّحها المصادر القضائية.

 

والجدير ذكره أنّ التشكيلات التي سُرّبت كما أعدّها مجلس القضاء لن ترضي الحراك، لأنّ الأسماء التي استُبدلت تعتبر محسوبة أيضاً على السياسيين، إن كانت في النيابة العامة في جبل لبنان أو مفوضية الحكومة في المحكمة العسكرية أو مدعي عام الجنوب او قاضي التحقيق في بعبدا أو مدعي عام بيروت، فجميع هذه الأسماء تم استبدالها بقضاة محسوبين أيضاً على أفرقاء سياسيين مختلفين.

 

ويمكن إدراج التحرك الذي دعا اليه الثوار أمس الأحد ضمن هذا السياق، بعدما وجّه «بيت الثورة» دعوة عامة الى كل ثوار لبنان دعماً للسلطة القضائية المستقلة العادلة، ودعماً لِما يتعرّض له المحامون من ضغوطات لنَهيهم عن متابعة ملفات الفساد ودفاعاً عن الثوار المعتقلين ومطالبة بإقرار التشكيلات القضائية كما أقرّها مجلس القضاء الأعلى من دون أي تعديل فيها من قبل وزيرة العدل أو أي مرجع سياسي آخر.

 

وحاول الثوار إقامة خيمة أطلقوا عليها إسم «ثورة الحق» أمام مدخل قصر العدل في بيروت، على أن تبقى في موقعها حتى إقرار التشكيلات القضائية النهائية، لكنّ القوى الأمنية منعت الثوار من نصب خيمة ثابتة في محيط قصر العدل مؤكّدة على حقهم في التظاهر والاعتصام على قدر ما يريدون في المحلّة.