مخطئ من يعتقد أنّ إعادة هيكلة الدين الخارجي ستحلّ مشكلة استدامة الدين العام أو الأزمة المالية والمصرفية، بل انّ المفاوضات التي ستطلقها الحكومة ستكون معقدة أكثر من المتوقع لأنّ الدائنين الاجانب لن يقبلوا بأي حلول مُجتزأة تفرض haircuts على السندات الاجنبية بنسَب كبيرة، ولا تشمل خطة واضحة لمعالجة الدين المحلي.
 

مع اقتراب استحقاق سندات اليوروبوند بقيمة 1,2 مليار دولار في 9 آذار المقبل، لم يصدر عن الحكومة لغاية اليوم أي اعلان رسمي حول قرارها بالدفع وإطلاق مفاوضات لإعادة هيكلة الاستحقاقات المقبلة، أو عدم الدفع بدءاً من استحقاق آذار للحدّ من تفاقم الأزمة المالية والحفاظ على ما تبقى من احتياطي العملات الأجنبية.

 

وفيما لم يصدر عن جلسة مجلس الوزراء امس أي قرار بشأن هذا الاستحقاق، أكدت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد انّ هناك لجنة متخصصة تتابع هذا الموضوع. في حين أكد مصدر مطّلع لـ»رويترز» امس انّ لبنان سيبحث اليوم مقترحات الشركات المتقدمة بعروض للاضطلاع بدور المستشار المالي والقانوني في ما يتعلق بخياراته إزاء استحقاقات السندات الدولية للعام 2020 ومحفظة تلك السندات عموماً، على ان تبتّ الحكومة سريعاً في شأن من ستقرر تعيينه للمهمة.

 

امّا الشركات المنافسة على دور المستشار القانوني للبنان، فهي: ديتشرت وكليري غوتليب ووايت آند كيس. في حين أعلن مكتب وزير المالية أنّ الشركات الاستشارية المالية التي وجّهت دعوة إليها هي التالية: Lazard, Rothschild, Gugeinheim, Houlihan Lokey, Citibank, JP Morgan, PJT Partners, Newstate Partners, Standard Chartered, GSA Partners, Deutche Bank, White Oak.

 

في هذا الاطار، أوضح الخبير الاقتصادي والاستراتيجي في مؤسسة «أبحاث اقتصادية» في لندن نافز زوق انّ اي دولة تقرّر إعادة هيكلة الدين العام، تحتاج كخطوة أولى، الى تعيين مستشارين ماليين وقانونيين من اجل صياغة بنود تلك العملية وشروطها، على ان تكون الشركات المعيّنة هي الممثل الرسمي للدولة في المفاوضات مع الدائنين. وقال لـ«الجمهورية» انّ الدائنين الاجانب في المقابل، يمكن ان يكونوا قد عيّنوا بالتوافق فيما بينهم شركات مالية وقانونية تمثّلهم ايضاً في التفاوض مع ممثلي الدولة اللبنانية.

 

وحول الشروط التي يمكن ان تقوم على اساسها عملية إعادة هيكلة الديون الاجنبية، أشار زوق الى انّ التحليلات ووجهات النظر عديدة، إلّا انه اعتبر انه يجب، بالاضافة الى خفض اسعار الفائدة وتمديد آجال استحقاق السندات، خفض أصل قيمة السندات. شارحاً انّ الهدف من اي عملية اعادة هيكلة للدين العام، هو وضع الدين العام على طريق الاستدامة، «وهذا الامر يتطلب خفض نسبة الدين العام من الناتج المحلي والبالغة اليوم 160 في المئة، الى نسبة تحددها الحكومة من اجل التوصّل بعد فترة معيّنة (5 سنوات) لاستدامة الدين العام».

 

أضاف: في الدول الناشئة على سبيل المثال، ومن اجل اعتبار الدين العام مُستداماً، يجب ان تكون نسبته من الناتج المحلي الاجمالي بين 60 الى 80 في المئة.

 

وفيما اعتبر زوق انّ بلوغ هذه النسبة أمر مستحيل، أشار الى انّ النسبة المستهدفة للدين العام في حالة لبنان، يمكن ان تكون عند حوالى 100 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي في غضون السنوات الخمس المقبلة. وبالتالي، رأى أنه من أجل الوصول الى تلك النسبة، يجب اعادة هيكلة الدين العام السيادي بأكمله وليس الجزء المتعلّق بسندات اليوروبوند فقط. موضحاً انّ الدين العام اللبناني يتوزّع بين 30 مليار دولار على شكل سندات يوروبوند، وما قيمته 55 مليار دولار من سندات الخزينة بالليرة اللبنانية. تابع: في حال تمّ فرض haircut بنسبة 50 في المئة على سندات اليوروبوند، تكون نسبة الدين العام الى الناتج المحلي قد انخفضت من 160 الى 130 في المئة، «وهذه نسبة غير كافية لاستدامة الدين العام».

 

لذلك، رأى زوق انه يجب إعادة هيكلة الدين الخارجي والدين المحلي والدين الذي يحمله مصرف لبنان على شكل شهادات ايداع بالدولار للمصارف اللبنانية، لأنه عند اضافة حجم ديون مصرف لبنان للمصارف الى حجم الدين العام، ستتخطى نسبة الدين العام من الناتج المحلي الـ200 في المئة.

 

وشدّد على انّ إعادة هيكلة الدين الخارجي هي جزء من الحلّ لكنها ليست حلّاً شاملاً ومستداماً، لأنه في حال لم تُستكمل من خلال اعادة هيكلة الدين المحلي وديون مصرف لبنان للمصارف، وهو الامر الذي لم يتم التطرّق إليه من قبل المسؤولين لغاية اليوم، فإنّ الدين العام سيعود للارتفاع، وستكون الدولة في حاجة للعودة مجدداً الى طاولة المفاوضات مع الدائنين.

 

ولفت زوق الى انّ وضع المصارف دقيق للغاية، فهي تحمل سندات يوروبوند بقيمة 14 مليار دولار، قد يتم اقتطاع 50 في المئة من قيمتها، أي 7 مليارات دولار. كما تملك ما قيمته حوالى 20 مليار دولار من شهادت الايداع لدى مصرف لبنان، قد تصبح قيمتها 10 مليارات دولار في حال تمّ اقتطاع 50 في المئة من قيمتها، لتكون المصارف قد خسرت 17 مليار دولار تُضاف إليها قيمة القروض المتعثرة المقدّرة بحوالى 3 مليارات دولار، ليصل مجموع الخسائر الى 20 مليار دولار وهو حجم رأسمالها الحالي. وبالتالي، فإنّ المصارف بحاجة لإعادة رسملة لا يقلّ حجمها عن 25 مليار دولار.