رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ يعلن عن حكومة معدلة منح فيها وزارات السيادة لشخصيات مستقلة واستلام قيادات حزبية لمناصب فيها.
 
 يبدو أن أزمة تشكيل الحكومة التونسية انفرجت مع إعلان رئيس الوزراء المكلف إلياس الفخفاخ عن التشكيلة النهائية وقبول حركة النهضة الإسلامية بها، لكن المفاوضات التي رافقت تشكيل الحكومة كشفت عن خلافات عميقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وحركة النهضة الذي تملك الكتلة الأكبر في البرلمان.
 
وأعلن رئيس الحكومة المكلف إلياس الفخفاخ ليل الأربعاء عن حكومة معدلة ومنح فيها وزارات السيادة لشخصيات مستقلة كما نالت قيادات حزبية مناصب فيها بعد تجاذبات سياسية حادة بين الأحزاب خلال مفاوضات تشكيلها.
 
واثر الإعلان أكدت حركة النهضة المشاركة فيها ما يعزز حظوظها في نيل الثقة لكونها الحزب الأول في البرلمان بـ54 مقعدا من أصل 217.
 
وأخطر الرئيس التونسي البرلمان بتحديد جلسة عامة من أجل التصويت على منح الثقة للحكومة غداة طرحها مساء الأربعاء في الساعات الأخيرة من الآجال الدستورية.
 
وأرسل سعيد إشعارا رسميا ، بحسب ما ذكرته الرئاسة التونسية، على أن لا يتجاوز تاريخ الجلسة في البرلمان ومنح الثقة يوم 15 مارس المقبل .
 
وقال الفخفاخ في تصريح بثه التلفزيون الحكومي اثر لقائه الرئيس التونسي قيس سعيّد "لقد كانت فترة المشاورات رغم صعوباتها وتعقيداتها، حالة ديمقراطية راقية".
 
وبين الفخفاخ أن حكومته "منفتحة على كامل الطيف السياسي" وتضم قيادات حزبية وشخصيات مستقلة.
 
وأسند الفخفاخ وزارات السيادة الى شخصيات مستقلة وهم القاضية ثريا الجريبي(العدل) والمستشار القانوني في رئاسة الجمهورية هشام المشيشي (الداخلية) وعماد الحزقي (الدفاع) وسفير تونس السابق بسلطنة عمان نور الدين الريّ (الخارجية).
 
 
 
وأكدت حركة النهضة التي رفضت في وقت سابق حكومة الفخفاخ، أنها "ستشارك في حكومة الفخفاخ وتمنحها الثقة" وفقا لبيان نشرته بعد إعلان تركيبة الحكومة.
 
وقالت النهضة إنه "رغم التحفظات بشأن طبيعة الحكومة وتركيبتها، فإننا نسجل بعض التطور الإيجابي الحاصل في مسار المفاوضات، ونثمن ما عبر عنه رئيس الحكومة المكلف من استعداد للانفتاح على قوى سياسية أخرى، لتوسيع وتمتين الحزام السياسي".
 
وفسرت النهضة موافقتها على حكومة الفخفاخ بـ"التعديلات الحاصلة في التشكيلة المقترحة باتجاه مزيد النجاعة والتوازن".
 
كما بررت موافقتها بتقديرها "للظروف الإقليمية المعقّدة والخطيرة، ولا سيما من جهة مخاطر الحرب في الشقيقة ليبيا، والأوضاع الداخلية الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، التي تستوجب تعجيلا بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة جديدة قادرة على إنفاذ الإصلاحات المتأكّدة".
 
ورضخت حركة النهضة الإسلامية إلى تهديدات الرئيس التونسي قيس سعيد بحلّ البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة لتعلن عن عودتها إلى المفاوضات لتشكيل الحكومة.
 
وجاءت عودة الحركة الإسلامية إلى المشاورات هذه المرة بدون شروطها السابقة كإلزام الفخفاخ بإشراك حزب قلب تونس ومنحها حقيبة تكنولوجيا الاتصال وحقيبتي العدل والداخلية.
 
في المقابل شاركت في حكومة الفخفاخ المعلنة أحزاب "التيار الديمقراطي" (3 حقائب) و"حركة الشعب" (حقيبتان) و"تحيا تونس" (حقيبتان) و"نداء تونس" و"البديل" (حقيبة لكل منهما).
 
وأمام الحكومة الجديدة تحد نيل ثقة البرلمان ب109 من الأصوات وان فشل الفخفاخ في ذلك فإن لرئيس الجمهورية قيس سعيّد امكانية حل البرلمان والدعوة لانتخابات مبكرة.
 
وكانت المفاوضات التي رافقت تشكيل الحكومة قد كشفت عن وجود خلافات عميقة بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وحزب النهضة، بعد أن هدد بحلّ مجلس النواب والذهاب إلى انتخابات نيابية مبكرّة كانت ستكون الثانية في أقل من عام.
 
وكان الفخفاخ قدم السبت تشكيلة حكومة اعترضت عليها حركة النهضة وقالت انها لن تمنحها الثقة في البرلمان وشككت في استقلالية الشخصيات التي تولت وزارات السيادة.
 
ودعت النهضة الى تشكيل حكومة وحدة وطنية يتم تشريك كل الأحزاب الممثلة في البرلمان فيها وبالأساس حزب رجل الأعمال نبيل القروي "قلب تونس" لكنها تخلت عن هذا الشرط لاحقا.
 
ويقول أستاذ التاريخ المعاصر والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي "هناك صراع إرادات بين سعيّد ورئيس البرلمان مرده التموقع السياسي وكل طرف يريد فرض توجهاته السياسية".
 
وانتخب سعيد رئيسا للجمهورية في اكتوبر بنسبة عالية من أصوات التونسيين ويقدم نفسه على أنه مستقل تماما.
 
وهو خبير في القانون الدستوري وتفاصيله ويدافع عن مشروع لا مركزية السلطة وينتقد النظام البرلماني الذي تهيمن عليه الأحزاب. بينما تسعى حزب النهضة الى الحفاظ على نفوذه الذي سمح له بالبقاء في السلطة منذ ثورة 2011. وبعد اعلان السبت استأنف الفخفاخ التفاوض لتقديم تشكيلة حكومية جديدة ضمت 32 وزيرا وكاتب (وزير) دولة.
 
وكان سعيّد وصف الوضع الاثنين "بأخطر أزمة تعرفها تونس منذ الاستقلال".
 
ويقول مراقبون أن قيس سعيّد أصبح الخصم والحكم يقرأ الدستور بشكل لا يتوافق مع النهضة ما خلق توترا كبيرا يمكن ان ينتهي بظهور جبهة معادية لمعسكر النهضة".
 
وأشاروا الى أن "النهضة قبلت بالفخفاخ على أساس أن تكون لها الكلمة الفصل في الحكومة"، لكنها لم تنل وزارات معينة كانت طالبت بها.
 
وينظم الفصل 89 من الدستور مراحل تشكيل الحكومة وفيه "إذا مرت أربعة أشهر على التكليف الأول، ولم يمنح أعضاء مجلس نواب الشعب الثقة للحكومة، لرئيس الجمهورية الحق في حل مجلس نواب الشعب والدعوة إلى انتخابات تشريعية جديدة في أجل أدناه خمسة وأربعون يوما وأقصاه تسعون يوما".
 
وكان من شأن سيناريو تنظيم انتخابات جديدة أن يزيد من الضغوط على البلد الذي يعاني من وضع اجتماعي واقتصادي صعب يتطلب حكومة تستطيع إيجاد حلول في أقرب وقت.
 
وتمكنت تونس منذ ثورة 2011 من تحقيق خطوات مهمة على صعيد تطبيق الديموقراطية، لكن المؤشرات الاقتصادية شهدت في المقابل تدهورا مع تزايد المطالب الاجتماعية وخصوصا منها البطالة والتضخم.
 
كما ان الاستقرار السياسي عبر تشكيل حكومة يمثل مؤشرا مهما بالنسبة للمانحين الدوليين لتونس، الديمقراطية الفتية التي تسعى عبر القروض، الى تجاوز تعثر الاقتصاد. ومن المتوقع ان تحصل تونس في أبريل حزمة على آخر دفعة مساعدات اقتصادية من صندوق النقد الدولي (بدأت عام 2016)، على ان تبدأ البلاد في تسديدها في 2020.