جاء في صحيفة "المدن": بين ساعة وأخرى يطوي مجلس القضاء الأعلى صفحة التشكيلات والمناقلات القضائية الشاملة، ليحيلها بمشروع مرسوم على وزيرة العدل ماري كلود نجم بصيغته النهائية، بعد عشرات الجلسات التي عقدها على مدى شهرين ونصف الشهر، لم يترك فيها شاردة وواردة الّا وناقشها بعمق، ليصبح في عهدة موقعي المرسوم، بدءاً من وزيرة العدل، ومن ثمّ وزيرة الدفاع الوطني فوزير المال ورئيس الحكومة ووصولاً إلى رئيس الجمهورية.
 
 
أهمية التشكيلات القضائية، أنها تأتي في مرحلة مفصلية في تاريخ لبنان، فهذه المرّة لم توضع تحت مجهر المرجعيات السياسية وأحزاب السلطة كما في السابق، بل على مشرحة الرأي العام وتحديداً ثورة السابع عشر من تشرين، التي تترقب صدورها والمعايير التي اعتمدت في اختيار القضاة الذين سيشغلون المناصب الحساسة، والواقعة على تماس مباشر بالناس وقضاياهم. ويؤكد مصدر قضائي لـ"المدن" أن التشكيلات "ستكون هذه المرّة متحررة كلياً من التدخلات السياسية". ويشدد على أن مرسومها "سيحدث صدمة في الأوساط القضائية، ولدى المحامين والرأي العام، لأنها المرة الأولى التي ترتكز التشكيلات على ثلاثة معايير، هي النزاهة والكفاءة والإنتاجية، وهي المرّة الأولى التي يصل فيها قضاة إلى المراكز الحساسة، ممن هم خارج التبعية الحزبية والسياسية، ولم يسبق لهم أن تولوا مثل هذه المناصب، كونهم غير محظيين برضى هذا الزعيم أو ذاك".
تنقية القضاء
ويبدو أن ما بعد 17 تشرين الأول لم يعد كما قبله، يعترف المصدر القضائي، أن "الثورة حررت مجلس القضاء من التأثير السياسي، وحالت دون سطوة السياسة على هذه التشكيلات، التي ستبرهن أنها أول الغيث في تنقية الجسم القضائي من الشوائب، والمدخل الالزامي لمحاربة الفساد في مؤسسات الدولة، عبر قضاة يمتلكون الجرأة في التحقيق وتوقيف الفاسدين، من دون خوف أو تردد"، معترفاً بأن الثنائي المتمثّل برئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات "نجحا في التأسيس لقاعدة الرجل المناسب في المكان المناسب، وإبقاء السياسية خارج أسوار قصور العدل". وكشف أن القاضي عبود "استبق جلسات مناقشة التشكيلات القضائية، بتوجيه رسائل خطية إلى القضاة كلّ باسمه، طمأنهم إلى أن التشكيلات ستنصف الجميع، وتقوم على مبدأ الثواب والعقاب، وحذرهم من إقدام أي قاضٍ على طلب وساطة من مرجعيته السياسية لتعيينه في هذا المنصب أو ذاك، لأن تلك المرحلة ولّت". ويضيف المصدر القضائي: "رسالة الرئيس الأول كانت شديدة الوضوح، إذا لجأ أي قاضٍ إلى وساطة أو شفاعة، عندها لا يلومنّ إلّا نفسه، وعلى هذا المبدأ إما يستقيم القضاء، ونؤسس لاستقلالية السلطة القضائية، وإما نسمي الأشياء بأسمائها، ونكاشف الرأي العام بالحقيقة ونذهب إلى بيوتنا".
أسماء مسرّبة
ورغم التكتم الشديد الذي يحيط بالمداولات والأسماء المتفق عليها للمواقع الحساسة، بات شبه مؤكد أن القضاة الذين سيشغلون مواقع بارزة باتت أسماؤهم معروفة، وهي قيد التداول في ما بين القضاة، في حين أن القضاة الذين حامت شبهات الفساد حول أدائهم، باتوا بالتصرف أو ينتظرون قرار إحالتهم على المجلس التأديبي، أما القضاة الذين لم تسجّل محاكمهم الإنتاجية الكافية، فتم توزيعهم كمستشارين في محاكم البداية والاستئناف وغيرها.
 
وعلمت "المدن" أن المراكز والأسماء المحسومة باتت على الشكل التالي:
 
 
 
ــ تعيين القاضي كلود غانم بمركز مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، خلفاً للقاضي بيتر جرمانوس الذي قدم استقالته.
 
ــ تعيين القاضية نجاة أبو شقرا بمنصب قاضي التحقيق العسكري الأول، خلفاً للقاضي رياض أبو غيدا، الذي عيّن عضواً في المجلس الدستوري.
 
ــ القاضي إيلي الحلو عيّن نائباً عاماً استئنافياً في جبل لبنان، خلفاً للقاضية غادة عون، التي ستنقل كمستشارة في محكمة التمييز المدنية.
 
ــ القاضي ربيع الحسامي في مركز قاضي التحقيق الأول في بيروت، خلفاً للقاضي غسان عويدات بعد تعيين الأخير نائباً عاماً لدى محكمة التمييز.
 
ــ القاضي رجا حاموش، نائباً عاماً استئنافياً في بيروت، مكان القاضي زياد أبو حيدر.
 
ــ القاضية غادة أبو علوان رئيسة للهيئة الاتهامية في جبل لبنان، خلفاً للقاضي منذر ذبيان، المحال على المجلس التأديبي.
 
ــ القاضية غادة أبو كروم، رئيسة لمحكمة التمييز الجزائية.
 
ــ القاضي فادي صوّان رئيساً أول لمحكمة الاستئناف في بيروت، مكان القاضي سهيل عبود الذي بات رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.
 
ــ تعيين القاضي زاهر حمادة، نائباً عاماً استئنافياً في الجنوب، خلفاً للقاضي رهيف رمضان.
تبعية واضحة
في موازاة الصورة الوردية التي قدّمها المصدر القضائي عن صورة التشكيلات ومعاييرها، أشارت مصادر مواكبة لهذا المسار، أن "التشكيلات المرتقبة قد تكون الأقل تأثراً بالتدخلات السياسية، لكنها ليست بمنأى عنها على الاطلاق". وأوضحت لـ"المدن" أن "ثمة أسماء نافرة بتبعيتها لقوى سياسية، مثل القاضي كلود غانم، المحسوب على التيار الوطني الحرّ، والذي لعب دوراً فاقعاً في ملفّ حادثة قبرشمون، لجهة التشدد في الادعاء على الأشخاص التابعين للحزب التقدمي الاشتراكي، واتهامهم بارتكاب جرائم القتل وزعزعة السلم الأهلي وإثارة الفتنة الطائفية، فيما اقتصر ادعاؤه على العناصر التابعين للنائب طلال أرسلان، على جنحة بسيطة مثل إطلاق النار في مكان مأهول، وهو ما جنّب أي منهم عملية التوقيف".
 
موروثات الماضي
ويبدو أن الجسم القضائي لا يزال متأثراً بموروثات الماضي، وشددت المصادر المواكبة لمسار التشكيلات والمناقلات، على أن "عدداً من القضاة المحسوبين على القوى السياسية الموجودة في الحكومة الحالية، لم يجر المس بهم، رغم الأخطاء التي شابت أداءهم في السنوات الماضية"، مؤكدة أن "التشكيلات لم تقترب من قضاة العهد على الاطلاق، باستثناء غادة عون المحالة على المجلس التأديبي، والقاضي بيتر جرمانوس الذي استبق قرار معاقبته من قبل المجلس التأديبي بتقديم استقالته". وطالما أن الأمور تبقى مرهونة بنتائجها، فإنه لا يمكن الحكم على "التشكيلات المثالية"، ما لم يتبيّن الخيط الأبيض من الأسود، ويثبت بالممارسة تحلل القضاة من لوثة السياسة التي أفسدت كلّ شيء.