يبدو التخبّط الاقتصادي والسياسي واضحا فأداء الحكومة لا يرقى الى مستوى الازمة ولا خط بيانيا واضحا وموحدا للانقاذ فيما "الارتجال" يُبعد المانحين وينبئ بالأسوأ.
 
 
دخلت حكومة حسان دياب الميدان السياسي المحلي المشتعل بنيران الازمات الاقتصادية والمالية والمعيشية، من كل حدب وصوب، في مهمة واضحة: إخماد هذه الالسنة الحارقة وإنقاذ لبنان من الاسوأ. رئيسُها منذ لحظة تكليفه، أدرك هذا الواقع الاستثنائي غير المسبوق وقرر السير في التحدي على صعوبته، فشكّل وزارته ووضع في صفوفها ذوي خبرات واصحاب اختصاص، على حد تعبيره، وأطلق عليها اسم حكومة "مواجهة التحديات". العدّة كلّها، حضّرها دياب للانطلاق في الرحلة الشاقة لانتشال لبنان الغريق من البحر الهائج الذي يتلاطمه، قبل ان يلفظ أنفاسه الاخيرة... هكذا خُيّل لمن راقبوا مشوار التكليف والتأليف ولمن استمعوا الى مواقف الرئيس دياب الواثق بنفسه وبقدرته على انتشال البلاد من المأزق الكبير. الا ان هذا الانطباع "الايجابي"، وفق ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، تضعضع، بعد كشف النقاب عن البيان الوزاري للحكومة، والذي خلا من اي رؤية واضحة ومحددة لكيفية تحقيق عملية الانقاذ، وازداد تصدّعا عقب نيل الحكومة ثقة البرلمان وانطلاق عجلاتها "فعليا" في معترك "التحديات"، بفعل مقاربتها غير المشجعة للاستحقاقات المصيرية التي وجدت نفسها امامها... فبحسب المصادر، تبيّن للبنانيين والعالم، ان لا تصوّر واضحا لدى الفريق الوزاري، ذي اللون الواحد، للتعاطي مع الملفات الدسمة. فأهل البيت الحاكم، انقسموا على أنفسهم ولم يتمكنوا من الاتفاق حتى الساعة على القرار الامثل في مسألة "اليوروبوند" مثلا، علما ان القضية مدار بحث بينهم منذ أسابيع، كون تاريخ الاستحقاق (9 آذار 2020) معروف مسبقا. 
 
هذا التخبّط، وفق المصادر، لم تتمكّن المشاورات والاجتماعات المكوكية التي يجريها المسؤولون، من الخروج منه. فرسا الخيار على طلب استشارة صندوق النقد الدولي، علّها تساعدهم في حسم امرهم من سداد مستحقات لبنان ام عدمه. أما ملف الكهرباء، الذي يكاد يكون أصل البلاء المالي الذي يعيشه لبنان بفعل العجز الذي يُغرق به الخزينة، فلا خريطة موحّدة ايضا بين المكونات الوزارية لكيفية معالجته. ففيما هرب البيان الوزاري من تفصيله مكتفيا بالسير بالخطة التي وضعتها الحكومة السابقة للقطاع، برز رفض حركة امل الواضح للبواخر واصرار الرئيس نبيه بري على توجهات أخرى لاصلاحه... وكي لا ننسى، تبنّت حكومة دياب موازنة لم تضعها هي، ولا ناقشتها او دققت في أرقامها. وليكتمل المشهد، يأتي تباين واضح في صفوف السلطة في تحديد موقع لبنان الاستراتيجي، بين مؤيد للانفتاح على سوريا وايران والمساعدات التي عرضها رئيس مجلس الشورى الإسلامي في إيران علي لاريجاني على بيروت امس، وبين من يسعى الى اصلاح علاقات لبنان بالدول العربية والخليجية والمجتمع الدولي ليقف الى جانبه في تخطي محنته. 
 
هذا الاداء غير المشجّع، بحسب المصادر، لا يرقى الى مستوى الازمة القاتلة بل هو نتاج غياب الخط البياني الواضح والمحدد الملامح والاهداف لدى الجالسين في قمرة قيادة الحكومة. وهو لا يلتقي مع الوعود بالانقاذ والاصلاح التي أُطلقت ابان تأليف الوزارة التي تبدو اليوم كعربة يجرها أكثر من حصان كلّ في اتجاه، تتعاطى مع القضايا المصيرية الكبرى بارتجال ولا انسجام فاقعين لن يكون لهما بطبيعة الحال، اثر ايجابي لدى المانحين.. وربما لهذا السبب، سارع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى الدعوة الى تشكيل لجنة من الموالاة والمعارضة تشارك في ورشة انقاذ البلاد، اذ يبدو لمس ان الحكومة ليست على قدر التحدي وهو تاليا لا يريد ان تتحمل الوزارة التي هو عرّابها، وحيدة، مسؤولية انهيار الهيكل اذا ما حدث...