للرسائل نكهة خاصة وصدى جميل بين الناس ,هذا في الزمن الماضي , ولكن كيف تبدو تلك الرسائل بين الأدباء ,مثل الرسائل بين جبران خليل جبران ومي زيادة ؟ وهناك رسائل بين الكاتب الروائي غسان كنفاني وغادة السمان ,وماذا يبوح شاعر مثل أنسي الحاج للروائية غادة السمان ؟ ( للأسف ) هذا النوع من الرسائل انقرض بحكم التطور للشبكة العنكبوتية التي أعلنت وفاة هذا النوع من أدب الرسائل .
 
اعتراف ....أم لحظة نوستالجيا وحنين
 
تقول الروائية الكبيرة غادة السمان في مقدمة كتابها الذي نشرته تحت هذا العنوان (رسائل أنسي الحاج إلى غادة السمان ): لم أكتب لأنسي الحاج أية رسالة ,فقد كنا نلتقي كل يوم في مقهى الهورس شو –الحمرا أو الدوتشي أو الأنكل سام مقابل مدخل الجامعة الأمريكية ,لم أكتب لأنسي ,لكنني عجزت عن تمزيق هذه الرسائل الرائعة أدبياً ...وأياً كان الثمن .
 
هو إقرار واعتراف صريح بأن الحب الذي يعتلج بقلب أنسي الحاج ,حب من طرف واحد ,فزمن أول تاريخ رسالة هو 2-12-1963من القرن الماضي ,أي بداية عطاء وشهرة وفتنة شباب الكاتبة غادة السمان ,فيخاطبها قائلاً : ما أعانيه يا أنت , أيتها القابعة كالمارد في علبة الأقزام يكفي لشل أقدر يد ,وتحطيم أعظم صخرة وخنق أغلظ رئتين على الإطلاق من فرط نضجي بالآلام والتعاسة أكاد أكون ناضجاً للموت ..آه ..كم أفضل الموت ...كم أشتهيه وأستسهله .
ربما كان في حالة من الصد والتجاهل منها حتى استسهل واشتهى الموت ,لأنه يعاني ويكابد الكثير الكثير ,ثم يعود متوسلاً فيقول :
 
أحب أن أحبك لأنك تمثلين في نظري خشبة الخلاص الوحيدة الممكنة . نعم حبها يمثل له طوق النجاة من تجاهل حبه ,ثم يعود ملحاً عليها فيخاطبها : أعرف أنك ستملينني يوماً من الأيام كما مللت سواي قبلي ..هذه المرأة أحببتها حتى الموت .
 
ربما هي كانت عازفة عن حبه وربما في طور علاقة مع شاب آخر ,ولكنه لم يصب باليأس فيعود ليؤكد لها: منذ أن بدأت الصحف تنشر اسمك وتنشر عنك وشيء كالنسغ يسيل منك في عروقي ,كالوهج يجعلني مندهشاً كالسر المتواطىء كالشيطان , بل كالسحر .
 
يحملها حباً يسيل في عروقه وهو لم يحظَ بكلمة ترمم جراحه ,ويذهب بعيداً فيحملها مصيره قائلاً :
 
أنت مسؤولة عن مصيري، الآن لأرتجف من الرعب ,مسؤولة عني شئت أم أبيت ,لقد وضعت لعنتي الحرة عليك .
 
نعم ها هو يصب جام غضبه عليها منزلاً لعنته ,ثم يعود كطفل بريء محاولاً استرضاءها بلوعة :
 
كنت في الماضي أستغرب ولا أفهم لماذا كان بروميثيوس يرفض طلب الرحمة ,وكنت أغضب .
 
هو الطفل المشاكس النزق يفجر نار غضبه في وجهها قائلاً :
 
إنني أكره النهر ,أكره المطر ,أكره الشمس والشلال الدم المتفجر ,آه كم أكره البراكين الثائرة ,أحياناً أكرهك ,أحياناً كثيرة أحتقر نفسي لأنني أكلمك عن نفسي .
 
يبدو أنه في النهاية سئم من حب لا يرى منه سوى الصد ,حب أثار زوابع وعواصف بداخله دون أن تأخذها الرحمة به ,فيعود ليودع حباً اكتوى بلظى ناره .
 
أرجوك أن تغفري لي هذه الثرثرة ,عذري الوحيد أنني صادق وممزق وأرتاح إليك ,آه ...ليت لي عيوناً كثيرة لأوزعها على أصدقائي .
 
رسائل جميلة وموجعه لقب لم ير إلا الصدود , ربما هي آخر رسائل أدبية تدخل المكتبة العربية في عالم عصفت به الواتس آب -الفيس بوك- الماسنجر .
 
محمد أحمد خوجة