دخل الاقتصاد اللبناني دوّمة الانهيار بطرقٍ متداخلة، لكن فحواها واحدة، وهي تصارع الطبقة السياسية الحاكمة على الفساد واختلافها حول كيفية الاستحواذ على الحجم الأكبر من غنائم الدولة التي باتت هيكلاً متهالكاً يأكله الإهمال والتوظيف الزبائني وتغلّفه الوساطة وسوء تصريف النفوذ.
الكارثة اليوم باتت تتوالد وتنجب كوارث في كل القطاعات، والدولة واللبنانيون باتوا اليوم أمام خيارين أحلاهما شديد المرورة، كما هو الحال في ملف دفع أو عدم دفع سندات اليوروبوند التي تستحق في أشهر آذار، نيسان وحزيران. 
فالوضع هنا خسارة مؤكدة في الحالتين: 
إذا تمّ الدفع فإن الاحتياط سيخسر جزءاً هاماً من النقد اللازم لتأمين الأساسيات في البلد.
وفي حال تمّ التخلّف عن الدفع، تتعرض ممتلكات الدولة في الداخل والخارج للحجز والتجميد وربما المصادرة.
 
"الاقتصاد المقاوِم"
كلّ هذا يحصل بعد أن رفع رئيس الجمهورية ميشال عون شعار "الإقتصاد المقاوم" وهو يتابع "إستقبالاته اليومية" وكأن البلد في أفضل أحواله، بينما دعا أمين عام "حزب الله" إلى مقاطعة البضائع الأميركية، في وقتٍ تكاد تنقرض البضائع من الأسواق ونوشك على الدخول في دوامة الإفلاس والجوع، بالتوازي مع الإعلان عن سقوط قتلى للحزب في معارك الشمال السوري، وتولي "حزب الله" توجيه الفصائل العراقية، ونصب تمثال لقاسم سليماني على الحدود مقابل فلسطين المحتلة.
 
تصاعد المخاطر على لبنان
نشر موقع "ميديا بار" الفرنسي الواسع الانتشار تقريراً حول وجوب ان يلتزم لبنان بتسديد الديون المتوجبة عليه في وقتها، وإلا فإنه سيجد نفسه أمام أزمة أخطر من أزمة الدولار التي يعاني منها، وحذر التقرير من أن عدم دفع السندات في الوقت المحدد لها، سوف يجعل لبنان أمام مسؤولية دفع كافة السندات المتوجبة عليه باكملها.
وتساءل التقرير: كيف يمكن لرجل الأعمال روبير الفاضل الذي حصل على عدة قروض مدعومة من داخل لبنان ومن ثم قام بتحويلها الى الخارج، ان يطالب الحكومة اللبنانية بعدم الالتزام بتسديد الديون المتوجبة عليه في الوقت المحدد، مما حدا بمعدي التقرير إلى التساؤل: لمصلحة من يعمل روبير فاضل؟
في هذا الخضمّ أعلن الوزير السابق مروان خير الدين أن "عدم دفع لبنان لمستحقات ديونه يعرّض الدولة لتبعات عدة منها حجز اموال البنوك اللبنانية في الخارج او حجز طائرات او الذهب والاحتياطي الذي يعود للبنان وغيرها من الاجراءات التي تسيء لسمعة لبنان".
طبعاً الخيار المرّ بالدفع ترافقه تداعياتٌ سلبية خطرة، تطال أوضاع المودعين، لكن هذا التأثير السلبي سيصل إلينا أيضاً في حال وقوع موجودات الدولة تحت طائلة الحجز والملاحقة.
وهنا يعتبر الخبراء أننا أمام خيارين:
ــ الخيار الأول: يبحث مدى إمكانية التفاوض مع المؤسسات الدائنة لإرجاء تسديد موعد الدفعة الأولى من سندات الخزينة اللبنانية، سواء بالعملات الأجنبية أو بالليرة اللبنانية
ــ الخيار الثاني: يقضي بالتفاوض حول استبدال اليوروبوند بتأجيل السندات لثلاث سنوات.
 
أجراس الخطر
تتوالى التحذيرات العربية، والخليجية منها بشكلٍ خاص من مخاطر ضرب النظام المصرفي اللبناني، فغرّد المستشار القانوني المحامي الكويتي دوخي الحصبان، أول عضو خليجي وثاني عضو عربي متعاون مع رابطة المحامين الاميركيةnational lawers guld  كاتباً:"يُصِرّ "حزب الله" على عزل لبنان عربياً ودولياً،  ويسعى لتدمير القطاع المصرفي ‏خدمةً لإيران ويضغط على الحكومة  لعدم دفع المستحقات المتوجبة عليها بهدف اغتيال ما تبقى للبنان من مصداقية كدولة".
أما الدكتور علي الخشيبان فقال إن "حزب الله" وحلفاءه يعملون على ضرب القطاع المصرفي وبسبب العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية على "حزب الله"، فهو يسعى إلى تدمير ما تبقى للبنان من خلال الضغط على الحكومة الحالية بهدف عدم دفع المستحقات المتوجبة عليه.
أما الدكتور دوخي الحصبان فيؤكد أن لبنان يشكل اليوم أحد مقاييس مآلات المنطقة، و"حزب الله" يصرّ على عزل لبنان عربياً ودولياً ويسعى لتدمير القطاع المصرفي خدمة لإيران ويضغط على الحكومة لعدم دفع المستحقات المتوجبة عليها بهدف اغتيال ما تبقى للبنان من مصداقية كدولة.
 
التصعيد الدولي.. والموقف المطلوب
تتصاعد الأجواء الدولية المشحونة بين إيران والولايات المتحدة الأميركية، فأعلن مايك بومبيو أن بلاده مستمرة في حملة الضغوط القصوى اقتصادياً ودبلوماسياً على إيران حتى تغيير سلوكها، بينما أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن الانتقام لقائد "فيلق القدس" السابق قاسم سليماني، "لم ينته بعد".
هذا التصعيد في المواقف ينعكس تلقائياً على لبنان وسيزيد الضغوط بشكلٍ أكثر فأكثر، اقتصادياً، وبالتأكيد لن يكون التصعيد العسكري بعيداً مع تزايد الاحتقانات في مختلف زوايا خريطة دول المنطقة.
يبقى أن "حزب الله" الذي يمتصّ إمكانات الدولة ويسطو على قرارها الإستراتيجي، يلعب الشوط الأخير قبل بلوغ البلد قاع الإصدام بالكارثة، بينما ينظـّر أمينه العام لانفصام الشخصية السياسي، فيشتم العرب ويطلب عدم التعرض لعلاقات لبنان العربية والدولية.
ربما يعتقد "حزب الله" أنه بتدميره النظام الإقتصادي اللبناني سيتمكن من السيطرة من خلال نظامٍ بديل، لكن تجربتهم في العراق توضح أنه إذا تُرك لهم القياد، فسيوردون بلدنا الهلاك لا محالة، وستطول المحنة سنوات وسنوات.. ومن يعتقد أن المهادنة للحزب تحفظ الإستقرار واهِمٌ، فالطريق الأقصر إلى الحرية واسعتعادة الاستقرار الأمني والاقتصادي والاجتماعي، هي المواجهة السياسية الشاملة مع حزبٍ لا يرى قادتُه ومقاتلوه أنفسهم إلا مقاتلين في جيش الوليّ الفقيه.