قبل عامين ونصف عام تقريباً، رفعت إحدى السيدات شكوى أمام القضاء «تتهم» فيها أحد الأطباء بالتحرّش بها أثناء خضوعها لجراحة في أحد مستشفيات بيروت. كانت جرأة تلك السيدة كافية كي تخرج من «عشيرتها» لتسرد ما تعرّضت له في أحد «أهم» المستشفيات، مع ما يعنيه ذلك من مثولها أمام القضاء للإدلاء بشهادتها. لكن حكم القضاء لم يعادل جرأة تلك المرأة.
 
 
ففي السادس عشر من الشهر الماضي، صدر الحكم في الشكوى المرفوعة بحق الطبيب ن. ب. عن محكمة الجنايات في بيروت. وبعد مرافعة علنية، أصدرت المحكمة حكمها «باسم الشعب اللبناني»، وقضى، بـ«الإجماع»، تجريم الطبيب «بالجناية المنصوص عليها في المادة 508 عقوبات وإنزال الأشغال الشاقة بحقّه لمدة ثلاث سنوات (…) وبتخفيض العقوبة سنداً للمادة 253 عقوبات وإبدالها بالحبس لمدة سنة واحدة (…) وبوقف تنفيذ العقوبة سنداً للمادة 169 عقوبات وإطلاق سراحه فوراً ما لم يكن موقوفاً بداعٍ آخر وإلزامه بأن يدفع للمدعية عطلاً وضرراً قدرهما خمسة عشر مليون ليرة لبنانية». كما ساق القاضي تبريراً آخر لمنح المتهم «أسباباً تخفيفية»، يتعلّق بـ«سنّه»، إذ كان يبلغ 66 عاماً عندما ارتكب جرمه.
 
بثلاث مواد قانونية في فقرة واحدة، قُلّصت الجريمة «الثابتة بأدلّة» أوردتها النيابة العامة ومن بعدها محكمة الجنايات، إلى حدود التعويض المادي بما لا يعوّض حجم الضرر المعنوي الذي تعرّضت له المريضة، بما تصبح معه عبارة «باسم الشعب اللبناني» فضفاضة وسوريالية.
تأتي هذه الأسباب التخفيفية برغم إيراد «أدلة في القانون تثبت أن المدعية كانت واعية بدليل استذكارها تلقائياً لاسم الممرضة التي كانت في غرفة العناية وهو ما أكدته الممرضة أمام المحكمة». وحول هذه النقطة بالذات، كانت المدعية تعيد في كل مرة يعاد استجوابها تفاصيل القصة بلا نقصان، وتحديداً الجملة الواردة أكثر من مرة والتي توردها المحكمة كدليل إضافي وهي «ملامسة المتهم لجسدها العاري ومدّ يديه إلى أماكن حساسة في جسمها قائلاً لها مبسوطة (…) مستفيداً من عدم قدرتها على دفع التعرض الحاصل نتيجة عدم حيازتها للقوة اللازمة لذلك بفعل التخدير». ثمة دليل إضافي، وهي «قرينة مستمدة من واقع موافقة المتهم على دفع خمسة آلاف دولار لحل القضية في معرض مكالمته الحاصلة مع وكيل المدعية (…) وعدم اقتناع المحكمة بالتبرير الذي أعطاه لهذه الواقعة».برغم كل تلك الأسباب، كان الحكم السوريالي معطوفاً على جملة تبريرات لا تُعفي المجرم من جريمته. أما ما هو أكثر سوريالية فكان «رأي» نقابة الأطباء التي اعتبرت، بحسب المصادر، أن هذا الطبيب «لم يرتكب خطأ طبياً لمحاسبته»، كما أن الحكم صدر «بناءً على شكوى شخصية». وهذا ما أكّده محامي النقابة في «المرة الوحيدة التي حضر بها» إحدى جلسات الحكم، بأن «النقابة أجرت تحقيقاً داخلياً ولم يثبت شيء في حق الطبيب»... علماً أن المستشفى حيث حصلت الحادثة استغنى عن الطبيب عقب إجراء تحقيق.
 
وهذه ليست المرة الأولى التي يخرج فيها طبيب من «جريمة» يرتكبها، بغضّ النظر عن نوعها، أكانت خطأ طبياً أم غيره. وليس هناك إلى الآن ما يفيد بأن طبيباً شُطب من النقابة لأنه ارتكب ما يخالف قسم مهنته. لكن، بغضّ النظر عن «الحماية» التي يتمتّع بها الأطباء من النقابة، فات هؤلاء أن ثمة قانوناً للآداب الطبية خرقه الطبيب ن. ب. في تعاطيه مع المريضة - المدعية، ولم يؤخذ أي إجراء بحقه. مخالفة صريحة للمادة 27 من القانون التي تفرض في بعض أجزائها معاملة الطبيب للمريض «بإنسانية واستقامة»، والتي يبدو أنها تسقط من حسابات النقابة عندما يتعلق الأمر بالمحاسبة.