ما زالت المصارف تتحكم بأموال الناس غير آبهة لا بحاجاتهم ولا بحقوقهم ولا حتى بالقانون.
 
 
للمرة الثالثة على التوالي، أصدر قاضي الأمور المستعجلة في النبطية أحمد مزهر حكماً ضد فرع بنك بيبلوس في النبطية، بناءً على شكوى من أحد المودعين. تشبه الشكوى ما سبقها من ادعاءات ضد المصرف وسواه من حجز أموال الناس. فيما يشبه الحكم ما سبقه من أحكام قضائية ضد عدد من المصارف في المناطق كافة، نصرة للمودعين. لكن يبدو بأن المصارف لا تأبه للقانون ولا تستشعر في الأساس بهيبة القضاء والدولة. في الوقت الذي يتمسك المصرفيون بإجراءاتهم التعسفية الرامية إلى احتجاز أموال المودعين، يعمد أصحاب المصارف إلى استئناف الأحكام القضائية، متفاخرين برفضهم تنفيذها. علماً بأن مزهر نفسه (الذي كان أول قاض يصدر حكماً ضد مصرف نهاية تشرين الثاني الماضي)، تعرّض لضغوط سياسية وقضائية تمنّت عليه عدم إصدار أحكام أخرى ضد المصارف «حماية لمصالحها وسمعتها».
في حكمه الجديد، نظر مزهر في شكوى مواطنة في السادس من الشهر الجاري، ادّعت بأن «بيبلوس - النبطية» تمنّع عن سحب أموال من حساب ابنها برغم تنظيم الأخير لها وكالة خاصة في سفارة لبنان في باريس في 26 أيلول الماضي. بعد خمسة أيام، أي يوم الثلاثاء الماضي، تقدم «بيبلوس» بلائحة ملاحظات رداً على الشكوى قال فيها إنه «لا يمانع تسليم المستدعية قيمة الحساب، لكنه طلب إضافة بعض الصلاحيات على الوكالة الموجودة معها كي تتمكن من توقيع بعض المستندات بالنيابة عن العميل أي ابنها». وبرغم أن المواطنة أبلغت بحاجتها إلى المال «لاستكمال علاجها من مرض السرطان»، لاحظ «بيبلوس» بأن «السبب الذي تستند إليه المستدعية لا يستتبع توافر عنصر العجلة والخطر الداهم والمحدق والأكيد».
لكن مزهر لاحظ بأن الوكالة المنظمة في سفارة لبنان في باريس من الابن لأمه «يعطيها حق التصرف المطلق والكامل بالحساب المصرفي وتكون صاحبة صفة ظاهرة للتقدم بالطلب الراهن». كما وجد بأن «قاضي الأمور المستعجلة لديه صلاحية اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية من دون التعرض لأصل الحق». أما عن مبرر سحب المال، فقد لفت مزهر في نص حكمه إلى أن المواطنة أبرزت تقريراً طبياً يثبت مرضها بالسرطان، أقرنته بحاجتها إلى علاج شعاعي. المصرف اعتبر العلاج سببا واهياً وتافهاً وغير ثابت، فيما الحق في الصحة والحصول على الطبابة منصوص عنه في القوانين الدولية. وما تذرع به «بيبلوس» للامتناع عن تسليم المستدعية المال الموجود في حساب ابنها، لا يبرر هذا الامتناع، لأن بإمكانها التوقيع على أي أوراق بوكالتها عن ابنها التي أتت مطلقة لناحية التصرف بالمبلغ وسحبه وأعطتها حق التوقيع على جميع الأوراق المصرفية. ولأنه لا وجود لنص قانوني يوجب وجود نص خاص في الوكالة يجيز صلاحية التوقيع على الأوراق التي يطلبها المصرف، فتكون إدلاءات «بيبلوس» مخالفة لأحكام الوكالة المنصوص عنها في قانون الموجبات والعقود اللبناني، ومستوجبة للإهمال. وتوقف مزهر عند حالة المواطنة في ظل عدم وجود أي سند قانوني لامتناع «بيبلوس» عن صرف الوديعة، ما يمنعها من تلقي علاجها، وهو الحق الأجدر بالحماية من حق المصرف بل من أي حق آخر لأنه يتعلق بحقها في الحياة وفي الوجود ككيان إنساني يستحق الرعاية وبأموالها الخاصة.
وختم مزهر حكمه بالإشارة إلى «العجلة الماسة والمحدقة التي تحتاج إلى اتخاذ قرار مباغت من دون اتباع الأصول النزاعية بسبب طبيعة الحق المراد حمايته وبسبب حاجة المستدعية إلى العلاج من المرض العضال». من هنا، ألزم المصرف تسليم المواطنة مبلغ حوالى 11 مليون ليرة وهو متوافر في حساب الوديعة التابعة لابنها وبتغريمه مليون ليرة عن كل يوم تأخير.
برغم ما ورد في حكم مزهر، لم يتوان «بيبلوس» عن تكرار أسباب رفضه تسليم الوديعة، لأن الوكالة لا تتضمن الصلاحيات المطلوبة وفقاً للقوانين والتعاميم المرعية الإجراء المتعلقة بالحسابات. وفي بيان أصدره تعليقاً على الحكم، قال إنه طلب من المواطنة «إبراز وكالة جديدة تتضمن الصلاحيات المطلوبة».