البلد حالة انهيارٍ شبه كامل، وإفلاسٍ غير مُعلن، والرئيس عون المُطالب بالإستقالة لانتخاب رئيسٍ بديلٍ عنه، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ما زال مُصرّاً على المكابرة وعدم الإستماع لمطالب الشعب الصابر الثّائر.
 

في تاريخ لبنان الحديث والمعاصر استقالة وحيدة لرئيس الجمهورية اللبنانية، هي استقالة الرئيس الراحل بشارة الخوري في ١٨ أيلول عام ١٩٥٢، ظروف هذه الاستقالة شديدة الشّبه بظروف لبنان الحالية، ضروف سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة وضاغطة، فقد بلغ عدد العاطلين عن العمل عام ١٩٥١ ما يقارب ٥٧٠٠٠ نسمة في بلدٍ تعداد سكانه مليون و٢٥٠ ألف نسمة، موجة من الإضرابات العمالية والشعبية واسعة النطاق، تطالب بخفض أسعار الخبز واللحم، وإلغاء احتكار الشركات ذوات الإمتياز، اليوم لا يُعاني لبنان مشكلة بطالة فقط، بل هو في محنة عارمة من تزايد أعداد العاطلين عن العمل، نتيجة إقفال المؤسسات والشركات التجارية والفنادق السياحية والمطاعم والمصانع، أمّا الإضرابات العمالية والشعبية فقد تمظهرت اليوم بانتفاضة شعبية واسعة بدءاً من السابع عشر من تشرين الأول الفائت عام ٢٠١٩، وما زالت في تصاعدٍ مستمر، مُطالبة برحيل كبار المسؤولين، وفي مقدمتهم الرؤساء الثلاثة، وفي طليعتهم بالطبع رئيس الجمهورية الجنرال عون.

 

 

إلاّ أنّ ما ميّز الحراك السياسي عام ١٩٥٠ (أثناء الأزمة الرئاسية) عن الوضع السياسي اليوم، أنّ تحالفاً للقوى السياسية والشخصيات المعارضة بقيادة كمال جنبلاط وكميل شمعون وريمون إدّة وبيار إده، إضافةً إلى أحزاب الكتائب والنجادة والحزب القومي السوري والحزب الشيوعي، هو الذي قاد حملة إسقاط الرئيس الخوري سلمياً ودستورياً، حتى فجّر رئيس الحكومة سامي الصلح في التاسع من أيلول عام ١٩٥٢ قنبلة سياسية بتقديم استقالته في البرلمان، فكلّف الرئيس الخوري الرئيس صائب سلام تشكيل حكومة جديدة من ثلاثة وزراء، فأعلنت المعارضة إضراباً سياسياً عاماً إلى أن يستقيل الرئيس الخوري، فاعتذر سلام عن تشكيل الحكومة، فحاول الخوري لعب آخر ورقة له باستدعاء قائد الجيش اللواء فؤاد شهاب، الذي رفض استخدام العنف ضد7 الشعب، فما كان من الرئيس الخوري إلاّ أن أعلن استقالته يوم ١٨ أيلول عام ١٩٥٢.

 

إقرأ أيضًا: كفى نفاقاً ومُكابرة..يمّموا وجهكم شطر صندوق النقد الدولي

 

 

اليوم، يمرُّ لبنان بظروفٍ سياسية واجتماعية واقتصادية خانقة وضاغطة، وهي أسوأ بكثيرٍ ممّا كان عليه البلد منتصف القرن الماضي، فهو في حالة انهيارٍ شبه كامل، وإفلاسٍ غير مُعلن، والرئيس عون المُطالب بالإستقالة لانتخاب رئيسٍ بديلٍ عنه، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، ما زال مُصرّاً على المكابرة وعدم الإستماع لمطالب الشعب الصابر الثّائر، عبر تشكيل حكومة هجينة، لا برامج لها واضحة ومُعلنة(فضلاً عن عجزها) في تقديم حلولٍ شافية للأزمات الحياتية والمعيشية والنقدية والمالية، والتي باتت بفعل الاستهتار والتمادي في الفساد ونهب المال العام مُستعصية العلاج والشفاء.

 


للأسف الشديد، ولّى زمن الرؤساء الكبار، استقال الرئيس الخوري ونفذت استقالته، استقال الرئيس اللواء فؤاد شهاب وعاد عنها تحت ضغط الشعب، استقال الرئيس شارل حلو وعاد عنها، هدّد الرئيس الياس سركيس أكثر من مرة بالإستقالة، اغتيل الرئيس الشهيد بشير الجميل قبل استلام مهامه الرئاسية، اغتيل الرئيس الشهيد رينيه معوض بعد أشهرٍ من توليه مهام رئاسة الجمهورية يوم عيد الاستقلال، هذا في حين يُصرُّ الرئيس عون على الاحتفاظ بكرسي الحكم في قصر بعبدا، حتى آخر رمقٍ من عمر الجمهورية اللبنانية الثانية، والتي شارفت على الهلاك والضياع والزوال.