لقد جرّبنا جميع الحكومات، وعلى أشكالها وأنواعها، فكانت النتائج عوامل إضافيَّة لتعميق الجرح، وتوسيع نطاق المأزق.
 

بعد الثقة الهزيلة التي نالتها حكومة الوكلاء، تحوّلت الأنظار نحو مسارات ثلاث؛ أولها زيارة رئيسها إلى دار الفتوى، ولقائه المفتي الشيخ عبد اللطيف دريان بما يعنيه ذلك من مباركة المرجعية السنّية للحكومة؛ والثاني الاستحقاقات المالية المرتقبة، وتحديداً استحقاق اليوروبوند في شهر آذار المقبل؛ وثالثها التحركات السياسية في المرحلة المقبلة.

 


وإذا كان مفتي الجمهورية اختصر استقباله لدياب بالقول إنه، رئيس حكومة كل اللبنانيين، فإن اللبنانيين قلقون على مستقبل بلادهم برمّته لا سيّما مع الأزمة المالية الخانقة التي تعصف بهم؛ لكنهم ينقسمون بين من يدعو لتسديد الديون المستحقة في آذار في موعدها؛ وبين من ينصح بعدم الدفع قبل إعادة النظر بها وجدولتها. وقد برز في هذا السياق قرار رئيس الحكومة طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي على المستوى التقني؛ وكان سبَقه موقفٌ من جمعية المصارف طالَب بالالتزام بالتسديد وفق الأصول. 

 


التأرجح الذي يعيشه لبنان بين خيار دفع سندات الدين المستحقة في التاسع من آذار المقبل، أو عدم الدفع، خير تعبير عن حالة التخبط التي ستستمر فيها البلاد في الفترة المقبلة.
أما وقد حصلت الحكومة على الثقة، فإن وقت الجد قد حان. لا مجال للتلاعب ولا للمزاح. لبنان أمام إستحقاقات مصيرية دقيقة وخطيرة من الناحية الجوهرية. وهي لا ترتبط فقط بتسديد سندات اليورو بوند، بقدر ما ترتبط بكامل البنية المالية والإقتصادية للنظام اللبناني.

 


لم يعد بإمكان لبنان ان يستمر على حاله، لا بد من اتخاذ إجراءات جذرية عميقة لإنقاذ نفسه من انهيار محتم. خيار القرار بين المرّ والأمرّ. بحالة الدفع سيكتوي اللبنانيون بسبب فقدان الدولار وارتفاع سعره مقابل إستمرار الإنهيار في سعر الليرة. وبحالة التمنع عن الدفع، فإن ذلك سيجعله في عداد البلدان المفلسة، وهذا سيوجب تدخل المؤسسات الدولية لوضع اليد عليه.
 ومع تسارع اللقاءات المالية والإقتصادية التي يجريها المسؤولون، بحثاً عن حلّ للمأزق. 

 


يستمر الخلاف بين رئيس الجمهورية وحزب الله ورئيس مجلس النواب من جهة، وحاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة من جهة أخرى حول القرار الواجب اتخاذه. الطرف الأول لا يريد الدفع، ويمانع دخول صندوق النقد الدولي، بينما الطرف الثاني يؤيد الدفع وقدم طلباً لصندوق النقد بإعطاء المشورة التقنية ومساعدة لبنان على وضع الخطط والإقتراحات للخروج من الأزمة أو لوضع أسس للبدء بمعالجتها.

 

إقرأ أيضًا: حكومة المستشارين المقنّعة تخسر الثقة الشعبية

 


وبحسب ما تحدثت المعلومات،أن المجتمعين سيحاولون البحث عن تسوية معينة مع المجتمع الدولي، وفيما يرفض طرف أساسي دخول صندوق النقد الدولي على الخطّ، هناك من يعتبر انه لم يعد من خيار لممانعة دخوله، ولكن سيتم تغليف هذا الدخول بشعار المساعدة التقنية. وهي غير موجودة في قاموس عمل المؤسسات الدولية، فعندما يتدخل صندوق النقد، سيضع شروطاً وعلى لبنان الإلتزام بها. هذه الشروط قاسية جداً، وتحتم إتخاذ إجراءات قاسية أيضاً، تطال مختلف شرائح الشعب اللبناني، ومن بين الشروط مثلاً إجراء إصلاح جذري في مؤسسات الدولة، تخفيض الرواتب، زيادة الضرائب تحرير سعر صرف العملة، وربما هذه هي الإجراءات القاسية التي تحدث عنها كل من رئيس الجمهورية والحكومة قبل أيام.

 


مصادر القوات اللبنانية علّقت على مسألة الدّين بالقول إنها ليست مع التسديد في الموعد، لكنها ليست مع التأجيل لأمدٍ بعيد، لأن ذلك يرتّب على لبنان أعباءً لا قدرة له على تحمّلها، مصادر تيار المستقبل رأت في المقابل وجوب تسديد ديون لبنان في موعدها، داعيةً الحكومة الى التعاطي مع الملف بجدية، وعدم الاستهانة بعدم سداد الدين لأنه سيعيق الاستدانة في المستقبل واعتبرت أن مستحقات آذار يجب دفعها في وقتها، وبعدها يمكن جدولة الديون الباقية.
من جهتهما، توافقت مصادر كتلتَي التنمية والتحرير، والوفاء للمقاومة على التمني على الحكومة إعادة النظر في جدولة الديون بما يتلاءم مع قدرة لبنان على السداد في هذه الظروف الدقيقة التي يمر بها البلد.
سياسياً، شكّلت ا لمواقف الداعية لتنحي رئيس الجمهورية الحدث الأبرز، وطالبت بعض القوى إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة لإنقاذ البلاد، ورفع الصوت في وجه العهد الذي أثبت فشله.

 


وحول تسريبات غير مؤكدة تحدثت عن أن الوزير السابق جبران باسيل، وخلال لقائه البطريرك الماروني مار بشارة الراعي الأسبوع الماضي، فاتحه برغبة رئيس الجمهورية تقليص ولايته شرط أن يخلفه باسيل، وأن ذلك يتطلب مساعدة بكركي، وصفت مصادر القوات اللبنانية هذا الكلام بـ المزحة السمجة وقالت إن، أي شخصية بعد 17 تشرين أفضل من باسيل في الرئاسة.

 


مصادر المستقبل من جانبها اعتبرت أن، رئيس الجمهورية لم يعد يفرٌق بين موقعه كرئيس للبلاد وموقعه كرئيس للتيار الوطني الحر ولذلك فإن استقالته أفضل محافظةً على ما تبقّى له من رصيدٍ سياسي قبل أن يفقده بالكامل. 
إلى ذلك فإن مصادر لقاء سيدة الجبل، أكّدت هي أيضاً مطالبتها باستقالة الرئيس ميشال عون، بعد أن أصبح رمزاً للوصاية الإيرانية، وفق قولها؛ مشيرةً إلى أن، هذا العهد فشل فشلاً ذريعاً على كل المستويات. 
لبنان في حاجة ماسة وملحَّة، الى من ينقذه. هذه الحكومة، التي لم نعرف بعد سوى بيانها الباهت، تقول تركيبتها، أو صياغتها إنها ليست هي المنقذ. ولا تستطيع. وليست هذه المهمة لها. لقد جرّبنا جميع الحكومات، وعلى أشكالها وأنواعها، فكانت النتائج عوامل إضافيَّة لتعميق الجرح، وتوسيع نطاق المأزق.