في ظل ما يشهده لبنان من غموض وأحداث مفصلية فرضت نفسها على الساحة السياسية، ارتفع اسم لبنان في مكان آخر، بارقة أمل سلّطت الضوء على إنجازات علمية حصدت ثمارها الدكتورة عبلة محيو السباعي من كلية العلوم الصحية في الجامعة الأميركية في بيروت بنيلها جائزة لوريال - أونيسكو للنساء في العلوم لعام 2020.
 
 
 إنها ليست المرة الأولى التي يُحقق لبنان هذا الفوز العلمي، في العام الماضي فازت الدكتورة نجاة صليبا بهذه الجائزة، التي تؤكد مرة جديدة أن لبنان يحتضن قدرات فكرية وإبداعية لا يمكن الاستهانة بها. 
 
لم تكن الدكتورة عبلة تعرف أن مسيرة حياتها العلمية ستقطف ثمارها بعد 30 عاماً، هي التي غاصت في علم الأوبئة والصحة السكانية وعلم الشيخوخة ودراسات أمراض القلب والسلوكيات عند كبار السن، وجدت نفسها اليوم محطّ أنظار كل اللبنانيين وبات اسمها اليوم مرفوعاً في منطقة الشرق الأوسط نتيجة أبحاثها العلمية، ويستحق هذا الانجاز الوقوف عليه مطولاً.
 
بعد أن تلقّت مندوبة لبنان الدائمة لدى الأونيسكو السفيرة سحر بعاصيري، رسالة من الأمانة العامة للمنظمة تبلغها فيها بفوز اللبنانية البروفسورة عبلة السباعي بجائزة لوريال - أونيسكو للنساء في العلوم لعام 2020، كان لا بدّ من تتبّع خطاها حتى نعرف أكثر عن هذه البحوث وما ستضيفه هذه الجائزة من مسؤوليات عليها. ما تقوم به ليس وليد اليوم بل هو نتيجة سنوات طويلة من البحوث والعمل الدؤوب، تقول لـ"النهار": "لقد شهد لبنان تطورا ديموغرافيا بالغ الأهمية، نتيجة التحسن الملموس لخدمات الصحة العامه ما أدى إلى زيادة في العمر من 66 سنة عام 1970 الى 79 سنة حاليا. هذا التحول الديموغرافي، إلى جانب الحروب المتتالية بالإضافة إلى هجرة الشباب، كلها عوامل مجتمعية ساهمت في توسيع قاعدة المسنين بحيث ناهزت نسبتهم حوالى 12% من إجمالي السكان، وهذه من أعلى النسب مقارنة بالبلاد العربية. ومع هذه التغيرات الديموغرافية لا بد من تداعيات صحية اقتصادية واجتماعية، ومع ذلك تبقى هذه الشريحة العمرية مهمشة على صعيد التمويل والبرامج والسياسات، وهذا ما يرتب على مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والعائلة العمل لمواجهتها. والجدير بالذكر هنا، أنه مع تردي الأوضاع الإقتصادية الحالية وازدياد أعداد العاطلين عن العمل من الشباب، خسر العديد من كبار السن الدعم والغطاء الصحي الذي كانوا يحصلون عليه من خلال أولادهم المضمونين".
 
ومع قلة الموارد من جهة وكثرة الاولويات من جهة اخرى، إضافة إلى الكثير من العشوائية في اتخاذ القرارات غير المبنية على البيانات العلمية، وانطلاقاً من هذا الواقع، أسست البروفسورة عبلة "مركز الدراسات لكبار السن" للبحث في الحلول الأنسب والمبنية على أدلة وبراهين. "كان الهدف تسليط الضوء على هذه الفئة العمرية وإدراجها في سلم الأولويات من خلال الدراسات وانشاء قاعدة بيانات وشبكات اتصال ما بين القطاع الاكاديمي والقطاع العام والمجتمع المدني. وقد تم التركيز أخيراً على أهمية تفعيل النظام الصحي الوقائي ومساندة العائلة ودعم وتعزيز الرعاية المنزلية".
 

وقد شددت على "اعتبار كبار السن شركاء في التنمية وعلى ضرورة إحداث تغيير جذري في كيفية فهمنا وتعاطينا مع مفهوم التعمر وتغيير نظرة المجتمع نحوهم من نظرة نمطية سلبية الى نظرة ايجابية واعتبار طاقاتهم ثروة وطنية مهدورة، بحيث إن شريحة كبيرة من هذه الفئة ما زالت تتمتع بالنشاط والحيوية، ويحملون مخزوناً ثقافياً وعلمياً وعملياً كبيراً وهم يحتاجون الى فرص للاندماج والانخراط الاجتماعي لتعزيز قدراتهم الذهنية والصحية". لذلك أسّست البروفسورة عبلة مع شركاء لها برنامج "جامعة الكبار" في العام 2010 في الجامعة الأميركية في بيروت. تتوجه "جامعة الكبار" نحو الأشخاص الذین بلغوا من العمر خمسین سنة وما فوق، وتقدم العديد من المحاضرات المتنوعة بهدف تعزيز وتفعيل قدراتهم الذهنية والجسدية والروابط الاجتماعية بعيداً من العزلة والوحدة".

أما عن الجائزة، فلا تخفي السباعي شعورها بالقول: "سعادتي كبيرة. لم أتوقع أن يحصد لبنان للمرة الثانية على التوالي هذه الجائزة. كان هدفي دائما تسليط الضوء على هذه الفئة العمرية والعمل على ترجمة البحوث الى سياسات وبرامج فاعلة. وكنت كلما أنهيتُ بحثاً فُتح أمامي باب آخر لمزيد من الدراسات. وربما اليوم أحصد نتيجة هذه المسيرة الطويلة".

أهم الجوائز التي حصدتها السباعي:

2019: جائزة دولة الكويت مكافحة السرطان والأمراض القلبية الوعائية والسكري في إقليم شرق المتوسط.ويأتي تكريمها تقديراً لها على إسهاماتها المتميّزة في مجال الأمراض القلبية الوعائية. 

2014: فازت بالجائزة التي أستتها منظمة الصحة العالمية تخليداً لذكرى مديرها الإقليمي لشرق المتوسط، علي توفيق شوشة، وتُمنح هذه الجائزة للأشخاص ذوي المساهمات البارزة في تحسين المجال الصحي في منطقة الشرق الأوسط.