عقّدت تصريحات إيرانية مهمّة رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمّد توفيق علاّوي في محاولته إقناع الشارع باستقلاليته عن الأحزاب المرتبطة بإيران والقائدة للعملية السياسية في العراق، وذلك بعد أنّ عبّر المحتجّون في مدن وسط وجنوب العراق عن رفضهم القاطع لتكليفه تشكيل حكومة بديلة عن حكومة رئيس الوزراء المستقيل عادل عبدالمهدي.
 
ورغم رفض العراقيين لعلاوي أبدى مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية علي أكبر ولايتي، ثقة في مرور حكومة رئيس الوزراء المكلّف.
 
وتحدّث ولايتي خلال فعالية أقيمت في قم بمناسبة مرور أربعين يوما على مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني برفقة القيادي في الحشد الشعبي العراقي أبومهدي المهندس بضربة جوية أميركية قرب مطار بغداد في الثالث من يناير الماضي، عن الحكومة العراقية القادمة وعن إخراج القوات الأميركية من العراق، بلهجة أقرب إلى لغة صاحب القرار رغم أن الموضوعين شأنان عراقيان خالصان.
 
وبالنسبة للكثير من العراقيين، فإنّ كلام مستشار علي خامنئي، يعكس حقيقة واقعة تتمثل في سيطرة إيران على القرار العراقي سواء ما تعلّق منه بالوضع الداخلي أو بالعلاقة مع الخارج.
 

ووصف ولايتي رئيس الوزراء العراقي المكلّف محمد توفيق علاّوي “بأنّه رجل محارب وشخص بارز نظيف اليد ومؤمن”، مؤكّدا أنّه “سينال الثقة قريبا”.

ويعني ذلك لدى المحتجين العراقيين المشاركين منذ أكثر من أربعة أشهر في انتفاضة شعبية غير مسبوقة ضدّ حكم الأحزاب الموالية لإيران، أنّ علاوي هو بالفعل مرشّح تلك الأحزاب الذي ستضمن له نيل ثقة البرلمان الذي تشغل غالبية مقاعده.

وتوعّد مستشار المرشد الإيراني أيضا القوات الأميركية الموجودة في العراق، قائلا إنه سيتم طردها من هذا البلد بالقوة إذا لم تخرج تلقائيا، مؤكّدا أنّ “على الأميركيين أن يدركوا أنهم خارجون من العراق لا محالة”، ومضيفا “وصل زمن التواجد العسكري الأميركي في العراق وسوريا إلى نهايته، ومن ثم سيأتي دور طرد الأميركيين من أفغانستان”.

وأصبح مدى القرب من إيران أو البعد عنها أحد مقاييس الوطنية لدى طيف واسع من العراقيين الذين يحمّلون طهران والأحزاب والشخصيات الموالية لها والقائدة للدولة العراقية مسؤولية تردي الأوضاع في العراق على مختلف الصعد السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

ويحاول الكثير من السياسيين استثمار المزاج الشعبي المحتقن ضدّ إيران وأتباعها، للتقرّب من الشارع الذي أظهر نقمة غير مسبوقة على الطبقة السياسية برمّتها.

وحمل رئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي، الأحد، بشدّة على تصريحات ولايتي منتقدا ما سماه تجاوز إيران الخطوط الحمراء في العراق عبر تدخلها في تشكيل الحكومة المرتقبة.

وقال علاوي في بيان “مرة أخرى تتجاوز إيران الخطوط الحمر، وتثبت تدخلاتها في الشأن العراقي بتحدي إرادة العراقيين”.

وأضاف أن هذا التدخل جاء على لسان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني للشؤون الدولية، من خلال تأكيده بأنّ “رئيس الوزراء العراقي المكلف محمد توفيق علاوي سينال الثقة، وأن محور طهران بغداد دمشق بيروت فلسطين سيكون محورا واحدا لطرد الأميركيين وحلفائهم”.

وتابع علاوي بالقول “إننا في الوقت الذي ندين فيه هذا التدخل السافر في الشأن العراقي، نحذّر إيران بأنّها لن تستطيع تحقيق أحلامها التوسعية في المنطقة العربية، ومنها العراق وهذا أكبر بكثير من حجمها وأحلامها”.

وأردف إياد علاوي بالقول إنّ “مبادئ الجيرة تستوجب احترام الدول المجاورة وعدم التدخل في شؤونها، وهو ما نتمناه من إيران وغيرها من الدول”. وتحوّل الرفض الشعبي لرئيس الوزراء المكلّف إلى مأزق سياسي حادّ للنظام العراقي الذي عجز عن سدّ الفراغ الناجم عن استقالة حكومة عبدالمهدي.


ويسلك رفض الشارع لتوفيق علاوي منحى تصاعديا رغم موجة القمع التي قوبل بها المتظاهرون والمعتصمون والتي تشارك في تنفيذها إلى جانب القوات الأمنية ميليشيا تابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر تحمل اسم القبعات الزرق.

وشهدت محافظات جنوب العراق، الأحد، إضرابا طلابيا عن الدوام في المدارس والجامعات، رفضا لتكليف محمد علاوي تشكيل الحكومة الجديدة.

وجاب الطلبة المضربون عن الدوام شوارع مدينة النجف جنوبي بغداد في مسيرات رفعوا خلالها شعارات رافضة لعلاوي والأحزاب التي تقف خلفه. وفي محافظة المثنى، شهدت شوارع مدينة السماوة مسيرات طلابية، أكدت على استمرار الإضراب عن الدوام حتى تحقيق مطالب المحتجين، وأبرزها اختيار المحتجين بساحات الاعتصام لرئيس وزراء.

وفي محافظة ذي قار، أعلن طلبة الجامعات والمدارس رفضهم لاستئناف الدوام الرسمي، واستمرارهم في الإضراب إلى حين استجابة الحكومة والأطراف السياسية لمطالبهم.

وقال مزاحم الشلش أحد ناشطي الحراك المدني في الناصرية لوكالة الأناضول إنّ “الطلبة جابوا شوارع مدينة الناصرية في مسيرات كبيرة حاملين لافتات ومرددين شعارات ترفض مرشح الأحزاب محمد علاوي، ومطالبين بانتخاب شخصية يتم ترشيحها من قبل ساحات التظاهر حصرا”.

ويطالب المحتجون برئيس وزراء مستقل نزيه لم يتقلد مناصب رفيعة سابقا، بعيدا عن التبعية لأحزاب ودول الجوار، فضلا عن رحيل ومحاسبة كل النخبة السياسية الحاكمة منذ 2003 والمتهمة بالفساد وهدر أموال الدولة.