في ظل الاحتجاجات السياسية والاقتصادية المستمرة منذ ثلاثة أشهر في لبنان، يبدو أن السياسيين اللبنانيين قد توصلوا إلى اتفاق لتشكيل حكومة تكنوقراطية اسمية في بيروت. ومع ذلك، فإن هذه الحكومة التي لا تزال مدينةً لـ"حزب الله" لا تحظى بتأييدٍ يُذكر من قبل السنة أو الدروز. حتى أن بعض المتظاهرين أطلق عليها اسم "حكومة البربارة" (أي حكومة تنكّرية) لأنها مجرّد تنكّر رديء لوجوهٍ من الطبقة السياسية [نفسها] التي تتحكم بزمام السلطة منذ فترة طويلة. إلّا أنه من غير المحتمل أن تكون الحكومة الجديدة قادرة على مواجهة التحدي الأكبر الذي تواجهه: الفساد المتفشي المسؤول عن الأزمة المالية الحادة في البلاد.


لقد كان تشكيل حكومة جديدة مطلباً رئيسياً للمجتمع الدولي وشرطاً ضرورياً أساسياً لأي مساعدة دولية. ولكن هذا لا يكفي. يجب على الحكومة اتخاذ إجراءات سريعة لمحاربة الفساد وتعزيز الشفافية. وبالنسبة لبلد عمل على الفساد والمحسوبية السياسية، سيكون ذلك بمثابة عبء ثقيل للغاية.


لقد تورطت جميع السلطة السياسية تقريباً في لبنان في أزمة الفساد المتجذّرة التي تعاني منها البلاد، والتي تتخطى الفجوة الطائفية. فوفقاً لـ "مؤشر مدركات الفساد" الذي تصدره "منظمة الشفافية الدولية" المسؤولة عن مراقبة الفساد، حلّ لبنان في المرتبة 138 عالمياً من أصل 180 دولة. وفي كانون الأول/ديسمبر، أصدرت "مجموعة الدعم الدولية للبنان" بياناً نهائياً في باريس حثت فيه السلطات اللبنانية على "اتخاذ إجراءات حاسمة" لمعالجة الفساد والتهرب الضريبي مع تحسين الإدارة الاقتصادية وبيئة الأعمال في البلاد.


وفي ذلك الوقت، قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو إنه على الرغم من أن لبنان يجب أن يتخذ هذه الخطوات، فإن الولايات المتحدة مستعدة "للقيام بالأعمال التي يمكن للعالم القيام بها لمساعدة الشعب اللبناني على وضع اقتصاده وحكومته على المسار الصحيح".


واليوم، يتعيّن على الولايات المتحدة اتخاذ الإجراءات اللازمة التي من شأنها إرغام الحكومة اللبنانية الجديدة وتمكينها من مواجهة السلطة السياسية الفاسدة - وهو أمر لا تستطيع أي حكومة لبنانية الاضطلاع به وحدها: يجب على واشنطن إصدار عقوبات تستهدف بعض الجهات الفاعلة الأكثر فساداً عبر مختلف ألوان الطيف السياسي والطائفي اللبناني بموجب "قانون ماغنيتسكي الدولي". فالزعماء الفاسدون يطمعون بالأرباح والسلطة السياسية التي تترافق مع تمويل مشاريع المحسوبية. ولن تؤدي العقوبات بموجب "قانون ماغنيتسكي الدولي" إلى تسمية وفضح أكثر الجهات الفاعلة في لبنان فساداً فحسب، بل ستمنع [الوصول إلى] جميع الممتلكات والمصالح التي تملكها في الولايات المتحدة، والتي من المحتمل أن تكون كبيرة.


وهناك أدوات أخرى متاحة للفساد السياسي المصنّف - مثل القسم 7031 (ج) من "قانون اعتمادات وزارة الخارجية والعمليات الخارجية والبرامج ذات الصلة" لعام 2020. وقد استخدمت وزارة الخارجية الأمريكية هذه الأداة في وقت سابق من هذا الشهر لاستهداف الفساد في مولدوفا، لكن ذلك يشمل فقط فرض حظر على تأشيرات الدخول للولايات المتحدة للأشخاص المُدرجين (المصنّفين على قوائم) وأفراد أسرهم، ويفتقر إلى السلطة لمنع [الوصول إلى] الأموال الموجودة في الولايات المتحدة. وقد يكون "قانون ماغنيتسكي الدولي" مناسباً في حالة لبنان.


وفي كانون الأول/ ديسمبر، أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية إدراجات (تصنيفات على قوائم) لمكافحة الفساد بموجب "قانون ماغنيتسكي الدولي" استهدفت كيانات في كمبوديا ولاتفيا وصربيا، ولا يوجد نقص في المرشحين الأقوياء لمثل هذه الخطوة بين النخبة السياسية في لبنان حالياً. وتحت مظلة مثل هذا الإجراء الأمريكي، يمكن تفويض الحكومة اللبنانية لاتخاذ ذلك النوع من الإجراءات اللازمة لتمهيد الطريق لحزمة المساعدات الدولية التي تحتاجها البلاد بشدة.


وسيحظى مثل هذا الإجراء بدعم شعبي واسع. فمنذ أن نزل الشعب اللبناني إلى الشوارع في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019، أعرب المسؤلون الأمريكيون عن تأييدهم لمطالب المحتجين باتخاذ إجراءات لمكافحة الفساد والقيام بإصلاحات. وفي الواقع، يشكل الفساد السبب الرئيسي وراء الانهيار الاقتصادي الذي دفع الناس إلى الشوارع.  ومن الواضح أنهم يعارضون الحكومة الجديدة، التي تمنح وزير الخارجية السابق جبران باسيل - حليف «حزب الله» وأحد أكثر الشخصيات السياسية التي تم الاحتجاج ضدها، والذي يسيطر على ثلث أعضاء مجلس الوزراء - السلطة اللازمة لعرقلة التشريعات التي لا تروق له أو لـ «حزب الله». وليس هناك شك في أن المتظاهرين سيرحبّون بأي عقوبات ضد السياسيين الفاسدين ومساعديهم من رجال الأعمال.


وكان أبرز مظاهر الاحتجاجات اللبنانية خطابها المعادي للطائفية ومشاركة جميع الطوائف في التظاهرات. فقد تضافر اللبنانيون من كافة الطوائف والمناطق في لبنان للمطالبة بإنهاء النظام الطائفي ومحاسبة السياسيين الفاسدين. وهذا ليس من قبيل الصدفة. فالعلاقة بين الزعماء الطائفيين في لبنان وأزمة الفساد الحادة في البلاد قوية للغاية، لأنهم يستخدمون المحسوبية ويستغلون مؤسسات الدولة لتعزيز هيمنتهم على دوائرهم الانتخابية.


لقد تورّط هؤلاء الزعماء الطائفيين في لائحة طويلة من الصفقات والمعاملات الفاسدة التي استخدموها لبناء إمبراطورياتهم المالية من خلال المساعي الحميدة لرجال الأعمال الفاسدين المتحالفين معهم سياسياً. ولا يحتاج المرء إلى النظر خارج قطاعات الكهرباء والغاز والقمامة في لبنان ليرى كيف استنزف الفساد موارد الدولة وأدّى إلى وقوع الأزمة الاقتصادية.


لذلك فمن شأن تصنيف رجال أعمال ومسؤولين لبنانيين فاسدين بموجب "قانون ماغنيتسكي الدولي"، أن يوفّر استجابة ملموسة للمطالب المستمرة للمحتجين اللبنانيين لأن مثل هذا الإجراء سيستهدف شخصيات فاسدة من جميع الطوائف ويستكمل الخطاب المناهض للطائفية في الشارع اللبناني. واليوم وبعد أن تم تشكيل الحكومة - التي من غير المرجح أن تكسب ثقة الشارع أو المجتمع الدولي - فقد حانت اللحظة المثالية لتوجيه رسالة دعم إلى الشعب اللبناني.


 
حنين غدار  ماثيو ليفيت
معهد واشنطن