كان لا بدّ من اجتماع المجلس الأعلى للدفاع قبل ايام من جلسة الثقة واستباقاً لما هو متوقع من مواجهات بين «الأمن» و»الثورة». ففي ظلّ الظروف المحيطة بها، وقياساً على حجم الاستحقاق الدستوري، كان لا بدّ من توجيه رسالة مبكرة الى قادة «الثورة»، مبنية على قاعدة التعاطي معهم «كأب مع ابنه... الى أن يبدأ العبث بالبيت». ولذلك فالعين بالعين ولكل مفاجأة مفاجأة مماثلة. كيف ولماذا؟
 
في اقلّ من ساعة بدقائق وجّه المجلس الأعلى للدفاع رسالته الواضحة والصريحة الى «الثورة»، وان اكتفى البيان الرسمي بالإشارة الى العناوين التي تناولها الإجتماع. ففي المناقشات التي دارت كثيرٌ من الكلام الذي يوحي بوجود قرار صارم ومتشدّد لتسهيل انعقاد الجلسة النيابية لتنال الحكومة ثقة المجلس والتفرّغ للمرحلة المقبلة في افضل الظروف الأمنية والسياسية اياً كان الثمن.
 
فمنذ ان وجّه رئيس الجمهورية الدعوة الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، فُهم انّها الخطوة المكمّلة لمحطة البت بالبيان الوزاري والتحضيرات الجارية لجلسات الثقة الثلثاء والأربعاء المقبلين، لاستحالة إتمام الخطوة في ساعات قليلة مثل إقرار موازنة 2020. ولذلك، حضر الجميع الى الإجتماع متسلّحين بالمواقف المقترحة والمطلوبة لمواجهة الثورة التي تهدّد باللجوء الى خطوات صادمة ومفاجئة، وفي مقصدها، منع انعقاد الجلسة اعتراضاً على شكل الحكومة ومضمون بيانها الوزاري الذي لا يلبّي اياً من مطالبها.
 
كان واضحاً انّ البيان الوزاري تجاهل الحديث عن تقصير ولاية مجلس النواب، واستبعد اي إشارة الى الإنتخابات النيابية المبكرة. وباستثناء الوعد الحكومي الذي لم يخلُ منه اي بيان سابق منذ عقود، فقد اعتُبر الحديث عن ضرورة اعداد قانون انتخابي جديد، محاولة لذرّ الرماد في العيون، خصوصاً انّ مقدمة البيان قدّمت عرضاً «أدبياً منمقاً» يوحي بأنّ الحكومة ولدت من «رحم الثورة» وبدافع منها، وهي ستكون أداته لتحقيق ما تصبو اليه في محاولة لإبراز الوجه الجديد المتشدّد في التعاطي معها.
 
على هذه الخلفيات، دخل المجتمعون الى اجتماع المجلس الأعلى للدفاع، واخذ كل منهم مكانه لتبدأ الجلسة بكلمة لرئيس الجمهورية شرح فيها الظروف والأسباب التي قادته الى الدعوة اليه، مستعرضاً الأحداث الأمنية الفاصلة عن آخر إجتماع له ومعدّداً المحطات الأمنية وما رافق التظاهرات في وسط بيروت من شغب واعمال عنف، ادّت الى ما أدّت اليه من إصابات في صفوف القوى الأمنية وما لحق بالمباني الرسمية والمؤسسات الخاصة من اضرار واعمال نهب وحرق وتخريب.
 
وشدّد عون في كلمته على اهمية ضبط الوضع الامني للمحافظة على الاستقرار والسلم الاهلي من جهة، وعدم التهاون مع اي محاولة للنيل من هيبة الدولة ومؤسساتها ومقرّاتها الرسمية. طالباً من الاجهزة الامنية والقضائية التعاون في ما بينها لاتخاذ التدابير اللازمة بحق المخالفين، تطبيقاً للقوانين والأنظمة المرعية الاجراء. وانتهى الى الإشارة، انّ التكامل بين الأمن والإقتصاد هو الأساس في كل ما نصبو اليه، فلا اقتصاد ولا انتعاش من دون الأمن.
 
وتحدث رئيس الحكومة حسان دياب، فلفت الى الجهود التي يبذلها من اجل استعادة الدورة الإقتصادية ومعالجة المعضلات النقدية وما تسببت به الأزمة من ترّددات على كل المستويات، مبدياً ارتياحه الى مدى التجاوب الذي يلقاه، وما تبلّغه من إشارات ايجابية من جهات مختلفة تضامناً مع لبنان.
 
وتحدثت نائب رئيس الحكومة وزيرة الدفاع زينا عكر، فلفتت الى أهمية التنسيق القائم بين قادة الأجهزة العسكرية والأمنية عبر غرفة العمليات المشتركة، التي تصبّ فيها كل الأحداث وفيها تتقرّر سبل المعالجة والمواجهة في آن. واشارت بارتياح الى ما ادّى اليه التعاون بين هذه الأجهزة وما حققته من إنجازات أمنية، مشدّدة على أهمية هذا النموذج والحرص على استمراره كآلية عمل لا بدّ منها لمواجهة الإستحقاقات التي تطلّ على لبنان من كل حدب وصوب.
 
وشدّدت وزيرة العدل ماري كلود نجم على انّ القضاء جاهز لمواكبة الإنجازات التي تقوم بها الأجهزة العسكرية والأمنية وكل من يشكّل الضابطة العدلية. ولفتت الى انّها كانت وما زالت من انصار الإنتفاضة وهي متعاطفة الى اقصى الحدود مع ما تقوم به، الى حدود خرق القوانين والمس بالأمن العام وسلامة المؤسسات العامة والخاصة، وعندها تسقط كل مشاعر التعاضد والتعاطف مع اي حراك. داعية الجميع الى التزام ما تقول به القوانين والشرعات الدولية التي تكفل التعبير عن الرأي الى حدود احترام رأي الآخرين وأمن الدولة واللبنانيين.
 
وتحدث وزير الخارجية ناصيف حتّي، فلفت الى أهمية ان تكون وزارة الخارجية على علم بالأحداث الأمنية وخلفياتها بأدق التفاصيل وما يثبت دقتها وصحتها، خصوصاً عندما يتصل الأمر بوجود تدخّلات لأجهزة استخبارية او ديبلوماسية خارجية، لتكون على علم بها ومراجعة كل من له علاقة بما يمسّ الأمن الداخلي في لبنان ويهدّد سلامة ابنائه. وأكّد الإستعداد لمواجهة المعنيين بأي خرق للقواعد الديبلوماسية المعمول بها، منعاً لتكرار ما حصل وتداركاً لمخاطر تسببت بها هذه التدخّلات في أوقات سابقة. ذلك أنّ مثل هذه الأمور لا يمكن غض النظر عنها.
 
وبعدما تبلّغ المجتمعون أنّ اتصالات أُجريت على اكثر من مستوى امني وديبلوماسي داخلي وخارجي، لإبلاغ المعنيين بضرورة وقف اي تدخّل خارجي في هذا الشأن وبقنوات مختلفة، عبر قادة الأجهزة الأمنية والعسكرية في سلسلة من التقارير الأمنية والمعلومات التي جُمعت عن التحضيرات الجارية في الأيام المقبلة على مستوى الحراك، وكشفت في جزء منها استمرار بعض القوى الخارجية بالتدخّل في الشؤون اللبنانية، وحضّ بعض القوى على اعمال الشغب والعنف، وهو أمر ثابت وموثق بالمعلومات.
 
وحذّر القادة الأمنيون من احتمال قيام اعمال شغب تحضيراً ليوم الجلسة الثلثاء المقبل، وهو ما يدعو الى تنفيذ سلسلة من الخطوات الأمنية الاستباقية والمبكرة، خصوصا وانّ منطقة وسط بيروت ستشهد الأحد المقبل احتفالاً بعيد مار مارون في حضور رئيس الجمهورية والمسؤولين الكبار، وسيتيح الإثنين، كونه يوم عطلة رسمية، اتخاذ التدابير الكفيلة بتأمين الطرق الى ساحة النجمة وسلامة الجلسات التي ستمتد ليومين.
 
واصرّ قادة الأجهزة الأمنية على ابلاغ المجتمعين، انّ جميع القوى العسكرية والأمنية جاهزة للتنسيق في تنفيذ المهمة الموكلة اليهم، وستكون جهودها متضافرة في هذا الإتجاه، ولن تسمح بما يحول دون عقد الجلسة، وانّ اي مفاجأة او عملية صادمة يستعد لها بعض الحراك، سيكون لها رد مناسب وبحجمها. فلا مكان للمفاجآت.
 
وما شكّل مفاجأة اثناء الإجتماع، كان ما لفت اليه مرجع امني الى استحقاقات أخرى يجب ان تحتاط لها الأجهزة العسكرية والأمنية ومنها استحقاقات داهمة، ولعلّ اخطرها ان يطلّ الإرهاب مجدداً، كاشفاً عن تفكيك ثلاث شبكات ارهابية خطيرة في الأيام القليلة الماضية، إحداها في منطقة جبل لبنان والأُخريان في مناطق مُعتَلَمة، وذلك بالتنسيق والتعاون بين الأجهزة العسكرية والأمنية.
 
وعليه، واختصاراً لما سبق من معلومات، كشف مرجع أمني بارز انّ الخطط الأمنية السابقة ما زالت صالحة، وانّ القوى مجتمعة ستتصرف مع الحراك وقادته ومسؤوليه على قاعدة «تصرّف الأب مع ابنه الى ان يبدأ العبث في داخل البيت»، وهو امر ممنوع ولن يُسمح به فـ«العين بالعين والبادي أَظلم».