مع احترامنا للبيان الوزاري، بكلِّ معانيه وما جاء فيه...

 

 

 

ومع أنَّ كلام السرايات لم يعُـدْ خاضعاً لمجلس ساحة النجمة بقدر ما يخضع لمجلس ساحة الثورة.

 

إلاَّ أنّ الحكومات لـمْ تكُن مـرّةً تحكم بما يُكتَب في البيانات، وقلّما كانت حكومات ما بعد الطائف تحكم بما يُكتَبُ في الدستور... الحكم والقرار بيـدِ بضعةٍ من الكبار.

 

هل يتساءَل أحـدٌ...؟ لماذا كان الذين حكموا يُصرُّون على أن يستمرّوا حكاماً: بالأصالة أو بالوكالة أو بوراثـةِ التبنيّ، وهم يعلمون أنّـه لم يبـقَ في بيتِ المال بعدَ النهْبِ حبَّـةُ قمحٍ للنمل...؟ «وأنَّ خيّالة الباشا لا تستطيع أن تشلِّحَ رجلاً عرياناً» كما يقول مثلٌ تركي..؟

 

أليسَ أنَّ الذين استولدوا هذه الحكومة كانوا كـمَنْ يوكلون إليها أنْ تترنَّحَ سكرى بين أرقام الحساب المالي، أمّا الحساب القضائي فهو ليس من حـقِّ الوكلاء على الأولياء..؟

 

يقولون: إنّ قصّة عنترة بـن شـدّاد تتألف من مئات الأبيات، إلاّ أنها تُختصرُ ببـيتٍ من الشعر واحد.

 

ونقول: إنّ بيان الحكومة الذي يتألّف من مئات الـجُمَل والكلمات يُختصر بعنوان واحد هو: استعادة الأموال المنهوبة..

 

فهل تستطيع هذه الحكومة أن «تُعنْـترَ» نفسها بهذا العنوان فتحقّق في لبنان واحدةً من عجائب الدنيا السبع، ويصبح وزراؤها من عجائب الدنيا العشرين...؟

 

بالرغم من سذاجتي في عالم الإقتصاد والمال ، أعتقد أنّ استرداد بعضِ ما نُـهبَ وهُـرِّب، وضَبْطَ ما يُنْهَبُ ويهرَّب، كفيلان بالإستغناء عما يبشِّرنا بـه وزير المال من استدانةٍ أو تسوُّل، فالناهب مكشوف والواهب مكفوف، ولا مجال للتمثُّل ببطل رواية المفكر الفرنسي ألبير كامو، الذي كان يلقي صنَّارتَـه في حوض الحمّام وهو يعلم أنْ ليس في الحمّام سمك.

 

لأنّ الذين كانوا كباراً، وكان بيدهم القرار أصبحوا صغاراً بالعيب والدّنس، فقد هيَّـأت الفرص لهذه الحكومة ما لم يكن متاحاً لغيرها لتأخذ القرار الجريء بكشف المرتكبين ومحاسبتهم مهما يترتّب على ذلك من نتائج.

 

بهذا تصبح هي الأكبر، وتثـبت وجودها كسلطة قائمة وحكومة حاكمة، وبهذا تُستعادُ الثقة: ثقةُ الشعب بالحكومة، وثقةُ الشعب بالدولة، وثقة الدول بالدولة، وثقة المال بالمصارف، ويُستعادُ أمام أعينِ الأمم ما هُـدِرَ من الشرف الوطني عل يـدِ مَـنْ حكَم، من دون أن يُراقَ على جوانبه الـدَمُ.

 

فإنْ فعلَتْ، كانت حكومة إنقاذ، وإنْ فشلتْ كانت حكومةَ الوراثةِ بالتبنيّ، وكانت وكنّـا كمثل ما يقول الشاعر:

 

فإذا يكونُ أميرُنا ووزيرُهُ وأنا... فإنًّ الرابعَ الشيطانُ.