كل ما ظهر حتى الآن من حكومة الرئيس حسّان دياب أوحي أنّ نهجها سيكون نسخة طبق الأصل عن نهج الحكومات السابقة، مع فارق أنّ «الوكلاء» هم الذين يجلسون على المقاعد. إذا صحَّ هذا التقدير، فالحكومة الجديدة ستسقط كسابقاتها. لكن هناك من يسأل: هل يخبّئ دياب عناصر أُخرى ستظهر في الوقت المناسب؟
 

في اعتقاد البعض، أنّ المهلة التي أُعطيت للحكومة، في الداخل والخارج، بدأت تترنَّح. ويسألون: إذا كانت القوى السياسية بقيت ممسكة بالوزارات التي كانت تسيطر عليها في الحكومات الأخيرة، وهي نفسها تنوي الإشراف على المشاريع المطلوبة لهذه الوزارات وتنفيذها، فما الذي يُتوقَّع تغييره؟ وأي إيجابيات يمكن انتظارها إذا كانت الحكومة قد أبقت على التركيبة نفسها التي أدارت المؤسسات في المراحل الرديئة، والتي أوصلت البلد إلى الخراب، ومن دون أي تفكير بتسمية الفاسدين وملاحقتهم؟

 

والأهم، أي تغيير يُنتظَر إذا كانت الحكومة قد استعارت الموازنة جاهزة من حكومةٍ سقطت في الشارع، وإذا كان بيانها الوزاري يكتفي بعناوين إصلاحية عامة يتداولها الناس كل يوم، ولا تترابط لتشكّل خطة قابلة للتطبيق؟

 

ومن المفارقات، أنّ معاناة الناس تفاقمت إلى حدّ الاختناق، فيما هم يستمعون في كل لحظة على دفقٍ من الوعود بخطواتٍ لتنفيس الأزمة.

 

ويقول هؤلاء، إنّ الحكومة ستحصل بالتأكيد على ثقة المجلس النيابي، كما حصلت على إقراره للموازنة. ولكن لن يطول الأمر بها حتى تنتهي إلى ما انتهت عليه الحكومة السابقة. فالشارع الذي أعطاها فرصة بدأ يُصاب بالإحباط. وصحيح أنّ من المبكر الحكم على هذه الحكومة قبل نيلها الثقة، لكن المؤشرات الأولى ليست مشجعة.

 

ويعتقد هؤلاء، إنّ انتفاضة جديدة ربما تكون قريبة، وأكثر عنفاً من انتفاضة 17 تشرين الأول، لأنّ مستوى الجوع والإذلال قد ارتفع. وهي على الأرجح ستتزامن مع الاستحقاقات الحسّاسة الآتية، في الظرف الاقتصادي والمالي والنقدي العصيب بين آذار وحزيران المقبلين، ما قد يؤدي إلى انفجار اجتماعي وسياسي، يواكب الانهيار الشامل.

 

من المثير أنّ هذه النظرة القلقة لا تتوافق مع مناخات الحكومة. فالذين يلتقون الوزراء يعودون بانطباعات أكثر هدوءاً. فهؤلاء يتوافقون على إطلاق عبارة واحدة، كأنّها «الكلمة السرّ»: «لا تتسرَّعوا. انتظرونا، واحكُموا على الأفعال. نحن على ثقة في أنّ الناس سيقتنعون بصوابية عملنا». وثمة مَن يطرح على بعض الوزراء السؤال الآتي: لا يبدو أنّ نهجكم يتناسب مع شروط الإصلاح الدولية لفكّ الحصار عن المساعدات العربية والدولية. ألا تخشون أن يودي بكم ذلك إلى العزل والإسقاط كما حصل للحكومة السابقة؟

 

يجيب هؤلاء: المجتمع الدولي حريص على استقرار لبنان على رغم كل شيء. وهو لن يشجع أي خطوة تزيد من المخاطر. وحتى الشارع المنتفض سيكتشف أننا نقوم بأكبر جهد لتصحيح الخلل المتمادي منذ عقود، والذي ورثناه معاً. وعلى الأقل، إنّ حكومتنا تشكِّل نقلةً نوعية. كنّا بالوجوه السياسية «الحادّة» فأصبحنا بالوجوه التكنوقراط التي تحظى بتأييد السياسيين بشكل «ناعم». وتالياً، حكومتنا قد تكون منتصف الطريق نحو الحكومة التكنوقراط المطلوبة، التي ينأى عنها السياسيون تماماً. وسيكتشف الجميع أننا لسنا أدوات لأحد على طاولة مجلس الوزراء.

 

هذا الكلام الصادر عن فريق حكومة دياب يطرح أسئلة عدّة: هل فعلاً هناك ما تخبئه هذه الحكومة؟ وهل يمكن أن تتمتع بهامش من المناورة، ولو تحت سقف القوى التي جاءت بها؟ أم إنّ وزراءها هم مجرد «وكلاء» أو سفراء لهذه القوى ينفِّذون تعليماتها بلا اعتراض؟

 

وفي صياغةٍ أكثر وضوحاً للسؤال: هل إنّ المحور الإيراني هو الذي جاء بهذه الحكومة، لقطع الطريق على محاولات إضعافه في موقع القرار اللبناني، وللمضي في النهج السياسي الذي كان قائماً منذ بداية عهد الرئيس ميشال عون؟ وتالياً، هل إنّ مظاهر «التكنوقراط» تهدف إلى التجميل لا أكثر؟ أم إنّ الحكومة هي صنيعة توافقٍ موضعي وموضوعي مع الولايات المتحدة وسائر القوى الدولية والعربية المعنية، بناء على وعدٍ بالتزامها نهج الإصلاح والإبتعاد عن المحاور؟ وهل لهذا السبب يعطيها المجتمع الدولي فرصة لكي تثبت صدقية الوعود؟

 

إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع، فعلى لبنان أن يتوقّع فعلاً مواجهة قاسية مع المجتمع العربي والدولي، يصعب عليه أن يتحملها.

 

وأما إذا كان الاحتمال الثاني، فسيكون على الحكومة أن تلتزم بوعود الإصلاح. وليس ظاهراً في المؤشرات الأولى أنّها تفعل. وهذا يثير الخشية من الوصول أيضاً إلى المواجهة المكلفة إياها.

 

سيكون المحكّ هو: أي نهج ستلتزمه الحكومة بعد الثقة؟ ولذلك، الجميع يترقَّب، والمسألة تُعَدّ بالأيام لا بالأسابيع ولا بالأشهر: الشارع في الداخل ينتظر، والقوى العربية تلتزم صمتاً ينطوي على السلبية لا على الإيجابية، والقوى الدولية تُطلق تحذيراتها المتلاحقة.

 

فهل ما أظهرته الحكومة الجديدة من سلوك هو النموذج الكارثي الذي يخشاه كثيرون؟ أم هناك مفاجأة معيّنة تخبِّئها للحظة المناسبة، ومتى ستأتي هذه اللحظة؟