إنّ المجتمع الدولي ومن ضمنه الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية ترصد بقوة وتتابع عن كثب ما سيتضمنه البيان الوزاري للحكومة الحالية، وما سرّب من مسودة شبه نهائية، لم يؤد إلى إحداث صدمة إيجابية قوية، إذ إنّ هذا البيان لم يخرج عن المألوف في مقاربة الملفات الأساسية.
 

يوماً بعد يوم تتكشف الوقائع بوضوح من خلال المعلومات المسربة حول مضمون البيان الوزاري، إذ على ما يبدو أن ليس هناك من بنود يعوّل على لمس نتائجها في المدى المنظور؛ وجلّ ما سيلمسه المواطن تحت شعار إجراءات موجعة هو سلة من الضرائب الجديدة؛ والتي قد تبدأ بفرض زيادة على المحروقات على أنواعها مع رفع تسعيرة الكهرباء، وزيادة الضريبة على القيمة المضافة، إلى غيرها من السلع التي ارتفعت أسعارها أصلاً، والتي لن تكون لا بالوزن، ولا بالحجم نفسه كما هو الحال مع ربطة الخبز، ناهيك عن الغياب التام لموضوع النأي بالنفس وتحويله الى مرجعية وممارسة عملية لان من دون ذلك حكماً ستزداد عزلة البلد أكثر فأكثر .والدليل الواضح على ذلك معاناة رئيس الحكومة اللبنانية الجديد من عزلة عربية حتى الآن، حيث لم يسجل زيارة أي سفير خليجي لدياب ما يطرح أسئلة حول قدرة حكومته على إقناع الدول العربية المانحة لاسيما السعودية والإمارات، في تقديم الدعم العاجل للبنان.

 

 ورغم أن دياب وعد بأن تكون جولاته الأولى خارج لبنان في دول الخليج، لم تحدد الرياض كما أي عاصمة خليجية أخرى موعدا له حتى الآن. 
فالتركيبة السياسية والميلشيوية التي انتظمت تحت عباءة حزب الله والنظام السوري الاسدي وانقلبت على حكومة الوحدة الوطنية برئاسة سعد الحريري في العام 2010، وامعنت بالزج بلبنان في سياسة محور الأسد طهران منذ ذلك الحين واساءت لعلاقات لبنان العربية والخليجية منها، ما زالت هي نفسها، تهيمن على الواقع السياسي والسلطوي، بالرغم من بعض مظاهر التغيير المموه من وقت لآخر، ولكن لم يحصل أي تغيير أو تبديل جوهري باتجاه إرساء علاقات عربية أكثر انتظاماً وإيجابية عن السنوات العشر الماضية . 

 

فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون الذي تجاوز سياسة النأي بالنفس التي التزمتها الحكومتان السابقتان في أكثر من مناسبة وحدث خلال السنوات الثلاث الماضية، إن كان من خلال المواقف المنفردة التي كان يتخذها وزير الخارجية السابق جبران باسيل في الجامعة العربية وغيرها من بعض القضايا المطروحة أو الاصطفاف إلى الجانب الإيراني أو النظام السوري في مواجهة الدول العربية والخليجية منها، أو التنصل المستمر من المباشرة في مناقشة موضوع الاستراتيجية الدفاعية التي تتناول تنظيم سلاح حزب الله الذي يُشكّل وجوده على هذا النحو المتفلت خلافاً كبيراً بين اللبنانيين، في حين يمعن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في معظم خطبه واطلالاته التلفزيونية في توجيه التهديدات المتواصلة للبنانيين الذين يرفضون ويعارضون بشدة استغلال سلاح الحزب في الواقع السياسي الداخلي والزج به في الحروب الاهلية بسوريا والعراق لصالح إيران، واستعمال لبنان منصة للتهجم المتواصل على الأشقاء العرب والخليجيين، ناهيك عن توجيه التهديدات ضد وجود القوات الأميركية بالمنطقة للثأر من مقتل قاسم سليماني في الآونة الاخيرة .

 

بالطبع مثل هذه الوقائع الموجودة والخطاب السياسي المنحاز للنظام الإيراني والمغاير للمصالح اللبنانية الصرفة، إن كان مع الأشقاء العرب تحديداً أو الغرب عموماً والمجتمع الدولي أيضاً، لا تساعد على إعطاء انطباع بأن حكومة الرئيس حسان دياب، ليست حكومة حزب الله أو اللون الواحد، مهما استعملت من عبارات منمقة أو صيغ تجميلية لتغيير النظرة إليها بالداخل والخارج معاً، لأن الحقيقة لا يمكن طمسها بكلمة أو عبارة مموهة من هنا أو هناك . 

أنّ المجتمع الدولي ومن ضمنه الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية ترصد بقوة وتتابع عن كثب ما سيتضمنه البيان الوزاري للحكومة الحالية، وما سرّب من مسودة شبه نهائية، لم يؤد إلى إحداث صدمة إيجابية قوية، إذ إنّ هذا البيان لم يخرج عن المألوف في مقاربة الملفات الأساسية، لا بل لم يضع خططاً واضحة وبمهل زمنية محددة وغير مفتوحة، لمعالجة أزمات أساسية وأبرزها المالية العامة والنقد الوطني والانهيار الاقتصادي، لا بل استنسخ القسم السياسي من البيان الوزاري للحكومة السابقة مع إضافة عبارات تجميلية لا تغني ولا تسمن من جوع، وإذا كان هذا هو البيان الوزاري فإنّ على حكومة الرئيس حسان دياب ألّا تتأمل كثيراً بانفتاح شهية الدعم الدولي والعربي لمساعدة لبنان على الخروج من أزماته.
تتركز الانظار على الآتي من الايام، وما ستكون عليه الاتصالات اللبنانية، مع سائر الدول العربية، والعديد من دول العالم الصديقة، ليبنى على الشيء مقتضاه، خصوصاً وان مشروع البيان الوزاري للحكومة العتيدة، لفت الى ان الحكومة ستحرص على تكثيف التواصل مع الدول العربية الشقيقة والصديقة،  وكذلك اعضاء مجموعة الدعم الدولي، والمنظمات والهيئات الدولية الاقليمية المعنية، بغية العمل على توفير وجوه الدعم كافة للبنان، في اعتبار ان استقراره ضرورة اقليمية ودولية . و لكن على الحكومة أن ترى ضرورة في ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية وأن تلتزم الاطراف بعدم إعتبار لبنان منحاز الى سياسة المحاور. ولذلك من أجل مصلحة لبنان واللبنانيين أن يتحول موضوع النأي بالنفس من شعار مجوف من مضمونه الى واقع التزام عملي .