أبلغت وزيرة العدل ماري كلود نجم الى مجلس القضاء الأعلى، انّها متفائلة «بما أسّسنا له لتحقيق الاستقلالية الفعلية للقضاء»، وأنّها لن تتدخّل ولن تسمح لأحد بالتدخّل في مسار التشكيلات القضائية المنتظرة، وتأمل في تحمّل مجلس القضاء مسؤوليته في إعداد هذه التشكيلات «وفق معايير الكفاية والنزاهة والإنتاجية». فيما الرأي العام المترقّب، يسأل عن آلية التعيينات الجديدة، وهل أنّ التشكيلات الموضوعة على نار حامية ستكون في منأى عن التدخّلات السياسية، خصوصاً انّها الاولى بعد إنتفاضة 17 تشرين الاول؟
 

في السياق، علمت «الجمهورية»، أنّ مجلس القضاء الأعلى يدأب منذ مدة على الاجتماع يومياً ولساعات متأخّرة، باحثاً ومدققاً في التشكيلات القضائية الجديدة المنتظرة، والتي من المفترض ان تُقرّ بعد نيل الحكومة الثقة، وستأتي بعد التعيينات التي أجرتها حكومة الرئيس سعد الحريري العام الفائت، وكان من بينها تعيين القاضي سهيل عبود رئيساً لمجلس القضاء الأعلى، والقاضي غسان عويدات مدّعياً عاماً للتمييز.

 

وعلمت «الجمهورية»، أنّ مجلس القضاء أوشك على إنهاء هندسة هذه التشكيلات، وقد بلغ «النقاط الاخيرة» فيها، والتي تتعلق ببعض المراكز والتعيينات الحساسة التي، حسب مصادر قضائية واسعة الاطلاع، ستُحدث حُكماً، جدلاً واسعاً وربما إشكاليات، ومن أهمّها مراكز النيابات العامة، وذلك في حال تمّ التوافق النهائي على استبدال النائب العام في جبل لبنان القاضية غادة عون، ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، والمدّعي العام لبيروت زياد ابي حيدر، والمدّعي العام للجنوب رهيف رمضان.

 

وتشير المصادر نفسها الى أهمية التشكيلات القضائية المرتقبة والأسباب الموجبة الأخرى التي تستدعي إجراؤها وابرزها، شغور بعض المحاكم نتيجة خروج البعض من قضاتها الى التقاعد، واهمها، غرفتان في محكمة التمييز وتثبيت رئيس اول في محاكم بيروت، والإتجاه الى تعيين القاضي حبيب رزق الله، الذي سبق أن انتُدِب الى هذا المركز الذي كان يشغله القاضي سهيل عبود قبل تعيينه رئيساً لمجلس القضاء الأعلى.

 

وفي السياق، علمت «الجمهورية» من مصادر قريبة من مجلس القضاء، أنّه سيعتمد معايير الأقدمية والكفاءة في التعيينات التي ستُجرى قي مراكز المحاكم المدنية والجزائية، ومن أبرزها تعيين ثلاثة رؤساء في محكمة التمييز، ويتمّ التداول بأسماء القضاة: ماجد مزيحم، جمال الخوري ورُلى المصري. علماً أنّ بعض هؤلاء القضاة سبق أن انتُدبوا الى هذه المراكز بسبب الشغور.

 

محاكم الإستئناف

 

وبالنسبة الى محاكم الاستئناف التي شغر فيها اكثر من 10 مراكز، إنتُدب قضاة رؤساء اليها، فمن المفترض ان يتمّ تثبيتهم فيها. وهناك اتجاه الى تعيين رئيسين لغرفتين في محكمة الإستئناف في بيروت، كان يشغلهما رئيس مجلس شورى الدولة القاضي فادي الياس والأمين العام لمجلس الوزراء القاضي محمود مكية قبل تعيينهما في مركزيهما الجديدين، بالإضافة الى غرفة ثالثة شاغرة. ومن الاسماء المرجحة، القضاة: فادي صوّان، جوني قزّي، هيام خليل ورندة حرّوق وآخرين.

 

وستشمل التعيينات مركز الرئيس الأول لمحاكم الجنوب، الذي شغر بعد تعيين القاضية رلى جدّايل مديرة عامة لوزارة العدل، ويتردّد لهذا المركز إسما القاضيَين عبد الرحيم حمود ورلى عثمان.

 

العهد والقاضية عون

 

وعلمت «الجمهورية»، انّ هناك اتجاهاً لدى العهد الى تغيير القاضيَيْن عون وجرمانوس، لأن هذين المركزين أساسيان في التشكيلات المقبلة. علماً أنّ «التيار الوطني الحر» لن يقبل ببديل لا يرضيه، وهذا ما يؤكّد أنّ الأسماء المطروحة لهذين المركزين ستكون محسوبة عليه وعلى العهد.

 

وفي المعلومات ايضاً، أنّ اسم القاضي كلود غانم مطروح للتعيين خلفاً لجرمانوس، وكذلك إسم القاضي رجا حاموش خلفاً للقاضي زياد ابي حيدر في مركز مدّعي عام بيروت.

 

كذلك يُطرح اسم القاضي ايلي حلو أو القاضي فادي عنيسي خلفاً لغادة عون. علماً انّ التعيينات تتمّ وفق الآلية الآتية:

 

يجتمع مجلس القضاء ويقرّ التشكيلات ويرسلها الى وزيرة العدل التي بدورها يحق لها ردّها اليه مشفوعة بملاحظاتها، بمعنى أنّها يمكنها التبديل في الاسماء، وهنا يتمّ التدخّل السياسي عادة، فإذا استجاب المجلس يعدّل التبديل المطلوب، ويعاود ارسال التشكيلات مجدداً الى وزيرة العدل. اما اذا لم يستجب، فبحسب النص تكون تلك التشكيلات مُلزِمة، علماً انّ في الظروف الحالية، وخصوصاً بعد ثورة 17 تشرين، سيتجّنب السياسيون مواجهة تشكيلات مجلس القضاء المُلزمة وعرقلة توقيعها، والمتوقع ان وزيرة العدل ستوقّع هذه التشكيلات.

 

وفي ما يتعلّق بالمراكز الجزائية، تستبعد أوساط قصر العدل رفع الغطاء عن قضاة تمّ تعيينهم في النيابات العامة، محسوبين على السلطة السياسية. وتعتبر هذه الاوساط أنّ هذا الأمر يُظهر مدى قدرة السلطة القضائية على تحقيق استقلاليتها واعتمادها معايير صحيحة للتشكيلات من خلال مواجهة المحاصصة.

 

عرقلة سياسية؟

 

ووفق المعلومات، هناك اشكاليات تعرقل تعيين بعض الاسماء، ومنها اسم القاضي كلود غانم، الذي يعترض البعض على تسميته مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية، فيما تُطرح في مجلس القضاء أسماء قضاة أعلى درجة من الطائفة المارونية ويتولون حالياً مهمات في المحكمة العسكرية، كالقضاة: فادي صوان، غسان خوري، وفادي عقيقي. وهؤلاء غير محسوبين على أي مرجع سياسي.

 

وعلمت «الجمهورية»، انّ المطروح ايضاً استبدال قاضي التحقيق الاول في بعبدا نقولا منصور المحسوب على «التيار الوطني الحر» بقاضٍ آخر، ومن المرجح أن يؤول المركز للقاضي رجا حاموش او القاضي زياد ابي حيدر.

 

كذلك ترجح المعلومات تعيين القاضي ربيع الحسامي او القاضي سامي صدقي لمركز قاضي التحقيق الاول في بيروت، وهو المركز السنّي الأساسي الشاغر، مكان القاضي غسان عويدات، الذي عُيّن مدّعياً عاماً للتمييز.

 

وهنا يُطرح السؤال الجديد في السياسة وفي تركيبة المحاصصة للمراكز السنّية:

 

هل سيعمد رئيس الحكومة الجديد حسان دياب الى أخذ دور تيّار «المستقبل»، الذي كان رئيساً في تعيين قاضي التحقيق الاول السنّي في بيروت، والرئيس الأول السنّي في الجنوب، وتعيين محامين عامّين من الطائفة السنّية؟

 

والامر نفسه ينطبق على مراكز الطائفة الشيعية، إذ انّ المطروح تغيير المدّعي العام للجنوب القاضي رهيف رمضان. ومن المرجح أن يُحدث هذا الطرح تدخّلات سياسية كثيرة، لن تكون سهلة، لأنّ المركز يحظى بإهتمام رئيس مجلس النواب نبيه بري.

 

اما بالنسبة الى المراكز الدرزية الأساسية، فبحسب المعلومات، سيُصار الى تعيين قاضي تحقيق اول عسكري، مكان القاضي رياض ابو غيدا، الذي عُيّنَ عضواً في المجلس الدستوري، وعلى الأرجح ستخلفه القاضية نجاة ابو شقرا او قاضٍ درزي آخر...وهذا التعيين قد يُحدث تنافساً بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط والنائب طلال ارسلان.

 

على انّ هذه التشكيلات القضائية ستشمل، وفق معلومات «الجمهورية»، اكثر من 120 قاضياً، بعد ان أقسم 32 قاضياً متدرّجاً اليمين القانونية نهاية العام الماضي، وسيعّينون قضاة منفردين في المحاكم. ولكن تبقى المراكز الخاصة بالنيابات العامة هي الأساسية التي تُعتبر الأهم، والتي يتمّ التداول بها في التشكيلة المرتقبة.

 

«شعب قانون وقضاء»

 

في التحليل السياسي لهذه المتغيّرات الجذرية المفترضة على صعيد الجسم القضائي، يترقب الوسط القضائي والشعب، تعاطي الاطراف السياسية كافة مع التشكيلات الجديدة، خصوصا انّها كان لها اليد الطولى فيها ماضياً وحتى انتفاضة 17 تشرين الاول. كذلك يترقب المنتفضون أداء المجلس الاعلى للقضاء، وكذلك أداء وزيرة العدل الجديدة لجهة مدى تقيّدهما بـ«الثلاثية المعبّرة» التي اطلقها رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي سهيل عبود «شعب قانون وقضاء».

 

ويبقى التساؤل الأهم الذي يطرحه مراقبون:

 

«كيف يمكن لمجلس قضاء معيّن سياسياً أن يُنجز تشكيلات غير مسيّسة؟ ويرى هؤلاء المراقبون، أنّ الامر لن يتعدّى تبديلاً في الأسلوب، إذ بدلاً من ان يرسل السياسيون الأسماء الى مجلس القضاء، تُعتمد آلية لإرسالها من مجلس القضاء الى السياسيين، وفق تعبيرهم.

 

في المقابل، يسأل معنيّون وحقوقيون: «هل سينجح مجلس القضاء الأعلى في منع تسلّل اسماء القضاة المستزلمين، ليستحق هؤلاء مناصبهم وثقة المواطن، خصوصاً أنّ عيون المنتفضين في الساحات ستكون ساهرة ورابضة، تمسك بيدها مطرقة القاضي، وباليد الأخرى سيف العدل الشعبي القاطع؟!».