حين انطلقت ثورة المحرومين في البقاع عام ١٩٩٧ وقف حزب الله بداية موقف المتفرج القلق باعتبار أن الثائرين هم أبناء بيئته، بل إنّ كثيرا منهم كانوا من المنظمين في صفوفه، ومن اصحاب التاريخ الجهادي العريق.
 
ظنّت قيادة الحزب بداية أن الثائرين ضد حكومة الحريري (الذي كان مزهوا حينها بانجاز اتفاق حرب نيسان ١٩٩٦) هم شرذمة قليلون سرعان ما سينفرط عقدهم، ولكن الثورة تعاظم شأنها في أشهر قليلة وباتت بالنسبة لنصر الله وحاشيته خطرا لا بد من استئصاله.
 
 صدر قرار الحسم من طهران ونقله أبطحي الى لبنان بعدما انتظره نصر الله كثيرا، وتقاطعت المصالح حينها في القضاء على الحراك مع الحريري الأب الذي كانت حكومته الهدف الاول للثورة (اضطر حينها تحت ضغط الشارع الى صرف المليارات لانماء البقاع ولكن حزب الله منع الامر)، وكذلك مع القيادة السورية التي عقدت يومها صفقة مع الايرانيين حول تفعيل خط الدعم العسكري لحزب الله عبر سوريا، وبات المسرح جاهزا لتنفيذ المهمة بانتظار نصب الكمين
 
بداية سعى الحزب للتسبب بفتنة بين الثوار والجيش اللبناني حين ارسل مجموعة مسلحة يقودها ع.س. حاولت اطلاق النار على الجيش قرب مفرق بريتال خلال قيام المتظاهرين بقطع طريق بعلبك الدولي بالاطارات المشتعلة، وبهذا تقع فتنة بين الجيش والمتظاهرين تؤدي الى سحق الحراك. 
 
لم تنجح المحاولة لأن المجموعة كُشف أمرها فاضطرت للانسحاب، وبدأ الحزب يخطط لكمين آخر، ولا خيار في هذه الحالة بالنسبة اليهم أفضل من قتل كوادر الثورة وعلى رأسهم الشيخ الشهيد، وبهذا يتشتت شملها ويكسر ظهرها.
 
 توفرت للحزب معلومات مفادها أن الشيخ صبحي الطفيلي سيعقد في الثاني من شباط عام ١٩٩٨ اجتماعا لمجلس اعيان بعلبك الهرمل في حوزة الامام المنتظر في عين بورضاي.
 
لم يشأ القوم يومها أن يضيعوا تلك الفرصة الذهبية، وقرروا بأن يجعلوا من الحوزة العلمية مقبرة للطفيلي وانصاره، على ان تحصل عملية القتل بيد الجيش اللبناني، وبهذا لا يتأثر الحزب امام قواعده الشعبية في البقاع، وهو اسلوب ما زال يعتمده حتى اليوم في القضاء على خصومه كما فعل مع احمد الاسير في صيدا، والامثلة كثيرة.
 
 تلقى الشيخ الطفيلي يومها اتصالات كثيرة حذرته من الذهاب الى المكمن بقدميه ولكنه أصر-وهو المعروف بعناده وتفرده برأيه- فأصرّ على الذهاب مستبعدا اقدام الحزب (الذي كان امينه العام بين عامي ١٩٨٩ و١٩٩١) بأي خطوة متهورة، واعتبر التحذيرات مجرد تهويل.
 
 على عجل حضر مصطفى بدر الدين الى بعلبك وجهز غرفة العمليات التي قيل أن نصر الله تواجد فيها شخصيا، وضمت عددا من القيادات العسكرية والامنية.
 
 ذهب الشيخ صبحي الطفيلي في ذلك اليوم الى الحوزة، وما هي الا دقائق حتى قام الحزب بمحاصرتها عبر مجموعات مسلحة يقودها المسؤول العسكري في البقاع المدعو حسين جميل يونس المعروف باسم "أبو جميل" اضافة الى المدعو علي حسن سلهب المعروف باسم "ابو احمد سلهب"، وقد حرص الحزب حينها على ان تكون قيادة المجموعات الميدانية بيد كوادر من بلدة بريتال التي ينتمي اليها كل من الشيخ صبحي  والشهيد الشيخ خضر، كما ان عددا من العناصر الحزبية كانوا من البلدة نفسها في محاولة لاحداث فتنة بين ابناء البلدة الواحدة.
 
فهمَ بعض الحزبيين من ابناء البلدة اللعبة فانسحبوا من المكان سريعا، وبقي ابو جميل وابو احمد يحاصران الحوزة مع مجموعاتهم لمنع الطفيلي من مغادرتها بانتظار حضور قوات الجيش اللبناني التي ستنفذ مهمة القتل نيابة عن الحزب (بحسب الخطة)
 
في تلك الاثناء كان الحزب ينشر عناصره في محيط الحوزة والاماكن المطلة عليها اضافة الى منافذها كافة، حيث قام بنشر القناصة في منطقة "تلة ابو مهنا" المشرفة على الحوزة، ومفرق "سمير العنتوري" ومحطة الوقود التابعة للحزب قرب منزل فايز مدلج، اضافة الى بعض البيوت المشرفة على الحوزة التي طردوا منها اهلها واحتلوها مثل منزل "قاسم طليس"، الملقب "بالصبي"، او المنازل الموالية لهم كمنزل حسين طليس المعروف باسم "ابو سعيد" الذي كان وما زال يعمل في الجهاز الامني التابع للحزب.
 
وكان من اهم الامنيين الذين أشرفوا على العملية ميدانيا المدعو عباس اليتامى المعروف باسم "ابو ميثم".
 
حرص الحزب على منع الشيخ الطفيلي من مغادرة الحوزة الى ان بدأت قوات مؤللة من الجيش اللبناني تحضر الى المكان، وفي ذلك الوقت تراجع عناصر التنظيم الذين كانوا يحاصرون الحوزة الى مواقع خلفية بحيث اصبح الجيش أمامهم.
 
تلقى الشيخ خضر طليس في منزله في بريتال اتصالات سياسية وامنية مكثفة تطالبه بالذهاب الى الحوزة لمنع تنفيذ المخطط الدموي الذي كا يتوقعه اساسا بحسب ما ابلغ به مقربين منه، وسريعا انطلق الشهيد الى الحوزة مع عدد من مرافقيه، وما ان وصل حتى طلب من احد معاونيه تأمين المحيط لعلمه بما تم تحضيره، خصوصا تلة ابو مهنا الاستراتيجية، وحين ذهب الرجل الى التلة المذكورة وجدها مزروعة بقناصي الحزب، وهنا اتصل بالشيخ وابلغه بما رأى، فطلب منه الاخير معالجة الامر وطرد العناصر من المكان بمساعدة مجموعة من الشباب، وهذا ما حصل حيث انتقل العناصر الى منطقة قريبة (الخشخاشة) بعد تلاسن حصل بين الطرفين.
 
في تلك الاثناء اقترب الشهيد من الضابط المسؤول عن قوة الجيش المحاصرة للحوزة وسلم عليه، وتبين أن بينهما معرفة سابقة، وبدأ التفاوض بين الطرفين مما ترك ارتياحا لدى انصار الشيخ الطفيلي وكذلك لدى الجيش، وقد افضت المفاوضات بين الشيخ والضابط الى أن يقوم الجيش بفتح الطريق افساحا في المجال لمغادرة الشيخ الطفيلي، ثم يتسلم الحوزة العلمية.
 
علم الحزب بالاتفاق فقامت -على عجل- سيارة تابعة له فيها مجموعة مسلحة كان ابرزهم عباس اليتامى، و ح.ل (تم اغتياله منذ سنوات في الضاحية) اضافة الى المجرم ع.ع.ح الذي قام بإطلاق النار من السيارة على الشيخ والضابط فسقطا شهيدين، ثم فرت السيارة الى جهة مجهولة، وعُلم بعدها أن الحزب نقل المجرم الى ايران حتى هدأت الامور، وهو حاليا يسكن في الهرمل.
 

في هذه الاثناء ظن الجيش ان انصار الشيخ الطفيلي هم من قتلوا الضابط، وكانت تلك الشرارة الاولى لبدء عملية مركزة لتدمير الحوزة على رؤوس من بداخلها، وقد استخدمت حينها مختلف الاسلحة الخفيفة والثقيلة والصاروخية، الا انه بعد ساعات من القصف المتواصل تمكن الشيخ صبحي الطفيلي من مغادرتها بالاستعانة بباب خلفي، وبقي الشهيد الشيخ خضر طليس مطروحا على الارض حتى ساعات الصباح الاولى، حيث استمر القصف على الحوزة من مغرب الثاني من شباط حتى فجر الثالث منه وتم تحويلها الى ركام.

وهناك اصيب احد مرافقي الشيخ الشهيد اصابة طفيفة بقدمه وهو الشهيد زيد اسماعيل الذي زحف حتى وصل الى منزل الحاج نايف طليس وطرق الباب، وقد حاول اهل ذلك البيت معالجته واتصلوا بالمستشفيات لنقله، الا ان الاسعافات كانت تُمنع من الوصول الى المكان الى ان صلى الشهيد صلاة الفجر وفاضت روحه الطاهرة.

 هذه التفاصيل حاول الحزب طوال السنوات الماضية اخفاءها والتعمية عليها، بل انه كذب على جمهوره واخترع لهم قصصا وهمية، وضغط على القضاء لاقفال القضية التي احيلت وقتها الى المجلس العدلي.

ونحن نتحدى قناة المنار ان تعيد عرض نشرة الاخبار في ليلة مجزرة الحوزة حيث كانت الشماتة ابرز سماتها.

وبعد عام على الجريمة أعلن الحزب الشيخ خضر طليس شهيده وقام نصر الله بإحياء ذكراه السنوية في حسينية الامام الخميني في بعلبك على عيون الناس، ومن هناك ادعى أن الشيخ الشهيد بقي ينسق معهم حتى اللحظة الاخيرة متناسيا ما قالته قناة المنار ليلة استشهاده بأنه قتل بنار الفتنة التي اوقدها.

 ونحن كشباب شيعي بقاعي حر نطالب القضاء اللبناني بإعادة فتح الملف واجراء التحقيقات اللازمة ومحاسبة المجرمين حتى ترتاح ارواح الشهداء في عليائها.

وسيعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.