المتظاهرون كانوا يحضرون أفلام مقتدى ومسرحياته. ويصفقون لها، وكلٌ يغمز في عين الآخر. حتى أنهم يفسحون لها المجال في نوع “تقية” مضادة. يقبلونها كتنويع فكاهي.
 

ماذا يحصل عندما تذهب إلى السينما لتشاهد فيلما من أفلام الرعب؟ الأدرينالين سوف يرتفع. ولكنك تعرف، في النهاية، أنه فيلم وأنك عندما تخرج من دار السينما سترى الحياة على طبيعتها. سوى أن مقتدى الصدر مخرج أفلام رعب سيئ. فـ“حركاته القرعة” لا ترفع الأدرينالين، والحياة من بعدها لا تعود إلى طبيعتها بل تصبح أسوأ.

 

تظاهرته “المليونية” الأخيرة أخلتْ مكانها لمجزرة. إذ خرج غوغاؤه ونصبوا خياما للاحتجاج، ليس للمطالبة بالقضاء على الفساد، ولا إسقاط النظام الطائفي، الذي هو في لبّه، وإنما لتلبية المطالب الإيرانية بإخراج القوات الأميركية من العراق، لكي تفرغ الساحة للحرس الثوري وميليشياته.

 

وعندما جاءته الإشارة، من غمزة عين، انسحبت “المليونية” من أدوار الهزل ليبدأ الفصل الآخر. فاندلعت مذبحة ضد المتظاهرين الآخرين.

 

لقد كان فيلم رعب حقيقي، تسلل إليه غوغاء مقتدى الصدر. مثلوا دورهم فيه كغطاء للقتلة وانسحبوا، ليبدأ تساقط القتلى حتى بلغوا 25 شهيدا أو أكثر، والجرحى حتى بلغوا 230 أو أكثر في ليلة واحدة، سوداء كعمامته.

الكل يعرف أن للرجل دورا يؤديه. وهو، في الحقيقة، حريص على أدائه بمنتهى الإتقان في الهزل.

 

ويقال إنه “شعبوي”. بمعنى أنه “بيّاع” كلام فارغ وشعارات. ولعمري أن “الشعبوية” أكثر حصافة من بيع “الحلاوة بجدر مزروف”. حيث “يخوط” و”يخوشك” وطنيات بينما هي في الأصل عمالات وتواطؤات مع طهران، إنما من النمط الرخيص للعبة “داور كيسه” بيد “السيد” الذي يقلب “بيضاته” بإصبعين. أحدهما “معارض” والآخر “موالٍ”، وكلاهما مثل “حجار الطهارة، ساف أنجس من ساف”.

 

على أن مقتدى يعتقد أنه يستطيع أن “يأكل بعقول الناس حلاوة”، بوطنياته الزائفة و”مقاومته الشريفة”. وهي مقاومة لم يُعرف عنها إلا أباطيل السعي المبتذل لركوب الموجة. أي موجة، طالما أنها موجة. تعلو لكي يثقبها فتنحسر.

والرجل ليس طائفيا حتى النخاع. لأنه بلا نخاع. وهو الذي قاد سلسلة من المجازر والهجمات على مساجد أهل السنة من بغداد إلى سامراء، يوم نجح وكلاء طهران الآخرون بضرب مرقد “الإمامين” هناك. فثارت ثائرة الغوغاء لتعلن حربا أهلية سرعان ما شبع منها، ودعا إلى وقفها بعد أن سال من دم الأبرياء ما سال.

 

كما أن يديه ملوثتان بدم غريمه ومنافسه عبدالمجيد الخوئي الذي قتل بدم بارد بالسكاكين والبلطات في النجف، ليكون الجميع شاهدا على وحشيته وقدرته على البطش.

وظل طائر الجريمة معلقا في عنقه، يستخدمه الأميركيون والإيرانيون معا للابتزاز، كلما عنّ لهم أن يلوحوا له بغمزة عين، أو أخرى. فتراه يترنح بين ولاء وولاء، يبيت على خوف، ويصحو على دم يقطر من عمامته. وذلك من أمر رعبه الخاص.

 

ثم إنه لا هو رجل دين ولا هو رجل سياسة. إذ لا يملك الكفاءة المعرفية هنا، ولا الفكرية هناك. ولكنه حقود. والمرء يحقد كلما جهل. ولديه رعاع يتمسحون به ويتباركون بنعاله، وكأنه نبي، فيتعفف وينفر ويمثل عليهم دور التقي الورع الذي لا يقبل أن يتم تقبيل المنبر الذي وضع يده المباركة عليه.

 

بيْد أنه يدفع رواتب على أي حال من “حصته” في نظام “المحاصصة” الذي يعارضه وينتقد فساده.

 

ولقد اختبر العراقيون، خلال السنوات التي أعقبت الغزو، كل أحابيل الخديعة، حتى أصبحوا “مفتحين باللبن”. لا تنطلي عليهم “تقية” ولا يغشي أبصارهم دجل.

والحقيقة، فإن المتظاهرين كانوا يحضرون أفلام مقتدى ومسرحياته. ويصفقون لها، وكلٌ يغمز في عين الآخر. حتى أنهم يفسحون لها المجال في نوع “تقية” مضادة. يقبلونها كتنويع فكاهي في مهرجان الدم الدائر منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

 

ويذكرون أنه يوم كانت تظاهراتهم أضعف عودا، كان غوغاء مقتدى الصدر هم الذين يهاجمونهم بالعصي والسكاكين في ساحة التحرير تلك بالذات. ولكنهم عادوا، اليوم، ليحاولوا ركوب الموجة. سوى أن الموجة ظلت تعلو. وظل مقتدى يركب بغلة الوطنية، إنما ليقودها إلى إسطبل طهران. أما العلف فمن النظام الطائفي إياه.

 

فلما قيل له كشفناك، آثر مسلك الحقد أن يكشف عن طبيعته الغادرة، بفيلم رعب سيئ الإعداد. ساق رعاعا ليشاركوا في التظاهرات. ثم انسحبوا، لتبدأ المجزرة. يعلن تظاهرات، بغمزة عين، ثم يعود ليُبطلها، بغمزة العين الأخرى. هكذا، طالع نازل، في فوضى جهل، بلا منطق ولا اتجاه. شريفها عار. وعارها عارٍ. وهي جريمة. ولكثرة الضحايا، فإن العمامة تبللت بالدم. حتى لتقطر ليل نهار. وطائر العنق مُثقلٌ بالجثث، سابحٌ في بحر من الصرخات المُرّة والآلام.