بالإذْنِ من هذه الحكومة ـ وهي ليست من الحكومات التي تُرفَـعُ لها القبَّعات ـ فإنَّ الأمل بالإنقاذ الوطني معلَّقٌ على ثورة الشعب، بعدما تشوّهت العلاقة الدستورية والقانونية بين الشعب والحكم.

 

 

نعم... إنها ثورة، ليست حراكاً وليست إنتفاضة، وليس شرطاً أن تكون الثورة دمويّة وهدّامة.

 

الذين تخدِّشُ كلمةُ الثورة آذانهم... أو الذين يرتكبون المغالطات، بأنْ لا ثورة إلاّ بالتخريب والترهيب والدم، نلفِتُهمْ إلى أن الإصطلاح العلمي يلحظ نوعين من الثورات:

- ثورة حامية تندفع بعنفٍ دموي وتنتهي بالإنقلاب...

- وثورة باردة تندفع بزخم مدني وتنتهي بالتطور، أيْ «بالإصلاح والتغيير».

الثورة الباردة يفسّرها «فيرنيو» رئيس حزب المعتدلين إبّان الثورة الفرنسية بقوله: هناك محاولة لاستكمال الثورة بالإرهاب ونحن نودّ أن تتمّ بالحبّ...»

 

ولكنْ، إنّ الإنشقاق البارد بين قطبي البلاد: السلطة والشعب، والإرتعاشات الحياتية والإجتماعية المكبوتة، إنْ هي اصطدمتْ بما يعرقل أهدافها تحوّلت إلى موجة عاصفة.

 

وبقدر ما تلاقي مطالب الجمهور صدّاً قاسياً بقدر ما تصبح الحالة الثورية أكثر شراسة، ولا تلبث الثورة الباردة أن تتحوّل إلى ثورة حامية: فإمّا أن تستولي على الحكم وإمّا أن تصرع نفسها.

 

الأديب الفرنسي ألبير كامو، الذي وضع شعاراً للثورة «أنا أثور... إذاً أنا موجود»، رأى أنّ كلّ ثورة تتألّف من لا ونعَم، لا: للحالة المقصود هدْمها، ونعَم: للحالة المقصود تحقيقها، أي أن الثائر يقول: لا، ولكنّه أيضاً يقول: نعَم.

 

النعَم الثورية: أطلقها المصلح الإجتماعي الروسي «تولستوي» في دعوته إلى المقاومة السلمية النابذة للعنف، وقد أثَّر كتابُه «مملكة الربّ بداخلك» في مشاهير القرن العشرين المنتصرين بالثورة السلمية وفي طليعتهم «غاندي» ومارتن لوثـر كينغ، واضعُ شرعةِ حقوق الإنسان الأميركي.

 

ولا الثورية: أطلقتها الأنظمة الماركسية في روسيا، والنازية في ألمانيا، والفاشية في إيطاليا، ومع أن ضحاياها قد تجاوزتْ عشرات الملايين فإنّ حكمها في النهاية قد سقط في بحور دمائها.

 

نخلص إلى الإستنتاج: أنّ السلطة اللبنانية والحركة الثورية قادرتان على التحكّم بالمعنى الثوري لكلمتَيْ: اللاَّ والنعم، أي بالمعنى البارد للثورة أو المعنى الثوري العنيف.

 

بلْ... لعلَّ أبرزَ ما تحتاجه الحركة الثورية بعد هذا المخاض هو أن تهيكلَ نفسها في إطار تنظيمي تخرج بهِ الى العلَن، حتى لا نظلّ نخاطب فيها مسؤولاً مجهولاً وقائداً متوارياً وثائراً مكتومَ القيد.

 

إنَّ صرخة البؤس هي أصدق نـداء إنساني يجمع اللبنانيين كلّهم ثواراً من أجل استحقاق الحياة، وإن صرخة الصَمْتِ وجعاً في البيوت، لا تقلّ تعبيراً عن الأصوات الصارخة في الساحات.

 

إنه الرهان التاريخي على الثورة الشعبية الحضارية المتماسكة في تحقيق لبنان الجديد، فإنْ فشل هذا الرهان التاريخي على السلطة والثورة، فقد يُستشهد لبنان الجديد في ساحة الشهداء، ولن يبقى من الثورة في ساحة رياض الصلح، إلاّ تمثال رياض الصلح.