على رغم انّ موازنة 2020 أُقرّت ضمن المهلة الدستورية، إلّا انها وُصفت بالورقة غير الواقعية بسبب الارقام الوهمية الواردة فيها والتي تحتاج، باعتراف أحد النواب، الى منجّمين لتقدير حقيقتها.
 

جاءت موازنة 2020 بشكل منفصل حيث استندت الى توقعات حول الإيرادات مفرطة في التفاؤل، والى تقديرات حول نسبة نمو ستتحقق في العام 2020، علماً انّ الاقتصاد دخل مرحلة الانكماش منذ العام 2019 والترجيحات تفوق الـ 2 في المئة، بالاضافة الى ترجيحات حول نسبة تضخّم غير واقعية عند 3 في المئة، في حين انّ النسبة الحقيقية حالياً فاقت الـ7 في المئة.

 

كما انّ الموازنة التي تم إقرارها ما زالت تعتمد على مصرف لبنان والمصارف لتمويل عجزها، علماً انّ النظام المصرفي بأكمله في وضع حرج ويحتاج لإعادة هيكلة ورسملة من اجل الصمود.

 

في تفاصيل موازنة 2020، تبلغ نسبة العجز حوالى 7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مع توقعات بأن تصل النفقات إلى 18,232 مليار ليرة (12,1 مليار دولار) يُضاف إليها سلفة لمؤسسة كهرباء لبنان بحوالى مليار دولار، على أن تتقلص الإيرادات إلى 13,395 مليار ليرة (8,9 مليارات دولار).

 

وفيما كان مشروع الموازنة الأساسي يتضمن خفضاً في العجز إلى نسبة 0,6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي مقابل 7,6 في المئة في موازنة 2019، شكّل تراجع الايرادات بنسبة 40 في المئة في الاشهر الاخيرة من العام 2019، التغيير الجوهري في نسبة العجز ضمن موازنة 2020.

 

في هذا الاطار، اعتبر النائب ياسين جابر انّ موازنة 2020 ليست غير واقعية وأرقامها وهمية كما يسوّق لها، «بل انّ مشروع الموازنة السابق الذي تضمّن نسبة عجز عند 0,7 في المئة من الناتج المحلي، هي الموازنة غير الواقعية والوهمية».

 

وأكد لـ«الجمهورية» انّ لجنة المال لم تقرّ الموازنة الحالية «عالعِمياني»، بل درستها في العمق وعدّلت فيها الكثير من المواد وخفّضت الايرادات بحوالى 6400 مليار ليرة والنفقات بحوالى 800 مليار ليرة. وبالتالي، فإنّ هذا الخفض هو الحدّ الاقصى الذي يمكن بلوغه في ظلّ المعطيات الحالية، واعتبار انّ هذه الموازنة هي الاكثر تقشفاً».

 

وأشار جابر الى انّ الارقام الواردة في الموازنة هي مجرّد تقديرات يمكن ان تأتي الارقام الفعلية أقلّ أو يمكن ان تكون أكبر، «وذلك يعتمد على أداء الحكومة والاصلاحات التي ستقوم بها، والتي قد تؤثر ايجاباً او سلباً على أرقام الموازنة ونسبة العجز».

 

وأوضح انّ هناك رقمين ضمن موازنة 2020 يمكن التحرّك بهما فيما لو كان هناك نيّة جدّية للاصلاح، حيث سيُحدث تعديلهما فرقاً شاسعاً في نسبة عجز الموازنة:

 

الأول هو كلفة خدمة الدين العام البالغة 9000 مليار ليرة. يجب وضع خطة لإعادة هيكلة الدين العام.

 

الثاني هو السلفة المحددة لمؤسسة كهرباء لبنان، والبالغة قيمتها مليار دولار.

 

وقال جابر انّ الموازنة التي تم إقرارها ألغت افتراضات غير واقعية للايرادات كانت موجودة ضمن مشروع الموازنة السابق، لتبقى مساهمة المصارف المقدّرة بـ400 مليون دولار من خلال فرض ضريبة لمرّة واحدة على حجم الاعمال turnovers، مع الاشارة الى انّ حجم الاعمال سيكون متواضعاً.

 

امّا في ما يتعلّق بنسبة النمو المقدّرة ضمن الموازنة بالاضافة الى نسبة التضخم، فقال جابر انها بالطبع غير واقعية حالياً «لكنها في نهاية المطاف تعتمد كجميع الارقام الاخرى على الاجراءات والتدابير التي ستتخذها الحكومة».

 

 

إيجابيات الموازنة

 

في المقابل، تضمنت موازنة 2020 عدة مواد من المفترض ان تحدث تداعيات إيجابية، عَدّد جابر منها:

 

- إعطاء فترة سماح لأصحاب القروض المدعومة فقط 6 اشهر، حيث ستجمّد المصارف الاجراءات التي كانت تتخذها في حال التخلّف عن الدفع، كإلغاء الفائدة المدعومة والملاحقة القانونية والغرامات المالية.

- رفع سقف ضمان الودائع من 5 ملايين ليرة الى 75 مليون ليرة.

 

- تحويل كافة واردات الخلوي من قبل الشركتين وبعد خَصم قيمة الرواتب، الى الخزينة، كلّ يوم اثنين وخميس، مما يمنع أي وزير للاتصالات من التحكّم بأموال الاتصالات من خلال الرعايات والعقود المشبوهة وغيرها.

 

- تحويل كافة واردات المرفأ الى الخزينة كلّ يوم اثنين وخميس، وذلك أيضاً منعاً لأي عمليات نهب محتملة.

- تمديد مهل الاعفاءات من الغرامات الضريبية وغيرها من التسويات والرسوم التي لم تستفِد منها الشركات في الاشهر الاخيرة من العام 2019 نظراً للظروف التي كانت سائدة، وذلك لمدّة 6 أشهر.

 

من جهته، اعتبر الخبير الاقتصادي شربل قرداحي انّ موازنة 2020 التي أقرّها مجلس النواب، رغم انها من إعداد حكومة مستقيلة، وأقرّتها حكومة لم تنل الثقة، إلّا انّ الدستور ينصّ على إقرار الموازنة قبل اي شيء آخر.

 

وقال لـ«الجمهورية»: رغم انّ الموازنة المقرّة كانت تصلح في تشرين الماضي وغير واقعية الآن، يبقى إقرارها أفضل بكثير من الاستمرار في الصرف على أساس موازنة 2019، على أمل ان يتم تعديلها بعد نيل الحكومة الحالية الثقة، ووفقاً لبرنامج الانقاذ المالي الذي تعدّه الحكومة.