لا يخفي المراقبون قلقهم من مظاهر الإرباك التي تعيشها الحكومة الجديدة، نتيجة ما ارتكبته مجتمعة وبعض من وزرائها من أخطاء فور تسميتهم عزّزت من فقدان الثقة بإمكان تجاوزها للاستحقاقات الصعبة لجهة استعادة ثقة الداخل وترميم العلاقات مع الخارج. ولذلك، هناك من يعتقد أنها قدّمت الى اليوم كثيراً من الهدايا للمعارضة على أطباق من ذهب. كيف ولماذا؟
 

لا يرغب أيّ من المراقبين السياسيين للتطورات التي سبقت ورافقت ولادة الحكومة الجديدة وما تلاها أن تعيش البلاد نماذج من حالات الجنون والفوضى التي توقّعها المنجمون وقرّاء المستقبل ليلة رأس السنة. لكن ما رفع منسوب القلق أنّ بعضاً من الأحداث المتوقعة قد تحقق، وبدأت تتوالى فصولاً منذ الأيام الأولى من السنة الجديدة. ولذلك فقد أدرج بعض المراقبين الأحداث التي رافقت الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة من بين هذه التوقعات السلبية، والتي يمكن اعتبارها نتيجة حتمية لبعض الأخطاء التي ارتكبتها السلطة على أكثر من مستوى.

 

ثمّة من يعتقد، انه، وبالإضافة الى ما ارتكبته السلطة من أخطاء منذ اكثر من 100 يوم لمجرد انها لم تعترف بعد بأنّ هناك ثورة حقيقية انطلقت في 17 تشرين الأول من العالم الماضي، فقد ارتكبت أخرى في المرحلة التي رافقت عملية التكليف والتأليف لتوليد الحكومة الجديدة. وأبرزها تلك التي حصلت بعد ساعات وأيام قليلة على صدور مرسوم تشكيلها، سواء على مستوى الأفراد أو الحكومة مجتمعة. وهو ما أدى الى تزخيم الإنتفاضة في اكثر من منطقة، فكانت الحملة التي انطلقت منذ الثلاثاء الماضي تحت عنوان «لا ثقة»، والتي توحي بأنّ إخمادها في وقت قريب ليس أمراً سهلاً على الإطلاق. فكل التوقعات تَشي بأنّ هناك اسباباً أخرى منتظرة ستزيد من قوّتها وعزمها.

 

على هذه الخلفيات، فقد سجّل المراقبون سيلاً من الأخطاء التي ارتكبتها الحكومة مجتمعة او بعضاً من أفرادها، الى حد اعتبرت انها تحولت «هدايا ثمينة» للمعارضة قدّمت لها على أطباق من ذهب. وهي التي كانت قد شكّلت دافعاً الى توسّع نطاق الانتفاضة وسبباً في مزيد من الاحتجاجات المتوقعة في اكثر من منطقة وعلى اكثر من مستوى.

 

وبمعزل عمّا شهده وسط بيروت أمس على هامش انعقاد الجلسة المخصّصة لمناقشة مشروع قانون الموازنة ونتيجة بعض الأحداث المتفرقة في الجنوب من أحداث شغب، فقد سجّلت المراجع المالية والنقدية والدستورية والقانونية عدداً من الأخطاء التي ارتكبت، ومنها على سبيل المثال لا الحصر:

 

على المستوى النقدي والمالي والمعيشي لم يكن موفّقاً تأكيد وزير المال الدكتور غازي وزني، بعد ساعات قليلة على صدور مرسوم تشكيل الحكومة، ان «يبلغ» الى اللبنانيين أن لا عودة للدولار الى ما كان عليه قبلاً في حدود الـ 1500 ليرة لبنانية، وهو ما ترك ردات فعل سلبية على أسواق المال وسعر الدولار. وهي التي دفعت ببعض خبراء المال والأعمال الى التأكيد أنّ مثل هذه التوقعات الإيجابية ليست مستحيلة كما يعتقد وزير المال الجديد، خصوصاً اذا نجحت الحكومة في اتخاذ بعض الخطوات التي يمكن ان تعيد الثقة بالعملة الوطنية والدولة ومؤسساتها. وقبل لملمة ما تركته هذه التصريحات «بَشّر» وزير الطاقة الجديد، قبل ان يتسلّم مهماته، بأنّ ساعات التغذية بالطاقة الكهربائية لن ترتفع كما يعتقد اللبنانيون قبل سنتين على الأقل وربما 5 سنوات، فارتفعت أصوات الاحتجاج والرفض.

 

أمّا على المستوى السياسي والديبلوماسي فقد ربطت هذه المواقف وردّات الفعل عليها مع توجّه وزير الخارجية السابق جبران باسيل الى سويسرا للمشاركة في مؤتمر «دافوس»، قبل ان يسلّم مقاليد وزارته الى الوزير الخلف بعد يومين على تشكيل الحكومة. وزاد ممّا ترتّب عليها من مخالفات ديبلوماسية وإدارية، ما رافق إطلالته التلفزيونية عبر شبكة «سي. إن. بي. سي» من اتهامات شَوّهت صورته، ليزيد من الحرج الذي أصاب الحكومة الجديدة ورئيسها قبل ان يُصاب هو شخصيّاً بها.

 

أمّا على المستوى الأمني فقد عكست بعض الإعتداءات ردات فعل سلبية أجّجت الغضب في بعض الشوارع في الجنوب والضاحية الجنوبية لبيروت، بعد حرق «قبضة الإنتفاضة» في النبطية «قبل طلوع الضَو عليها»، وزاد منسوبها جرّاء الاعتداء الذي طاوَل المتظاهرين امام مقر مجلس الجنوب في بئر حسن في الضاحية الجنوبية رفضاً للاستمرار في هدر المال العام فيه.

 

وعلى وَقع المشاهد التي عرضت لهذه الإعتداءات على شاشات التلفزة التي وَثّقت بالصوت والصورة وجوه اكثر من 20 شخصاً من المُعتدين الذين هاجموا مجموعة من المتظاهرين قبل أن يَصلوا الى مقر مجلس الجنوب بالعصي والسكاكين، بمَن فيهم من نساء وفتيات وشبّان مسالمين، لم تتمكن القوى الأمنية من توقيف سوى اثنين منهم. وقبل ان تهدأ ردات الفعل على مشهد بئر حسن، جاءت محاولة استعراض القوة امام منزل المدير العام السابق للأمن العام النائب اللواء جميل السيّد في الجناح رداً على مضمون تغريدة سياسية له لتزيد من احتقان الشارع.

 

والى كل هذه الأخطاء التي أحصيت، ثمّة من يعتقد أنّ انتقال رئيس الحكومة وعائلته للسكن في السراي الحكومي الكبير قبل نيله الثقة مخالفة دستورية لا تبررها سوى الظروف الأمنية. وفي انتظار ظهور مزيد من الاخطاء الحكومية المرتقبة في مقاربتها المتوقعة للموازنة العامة لسنة 2020 وطريقة مواجهتها او التبرّؤ منها ومن فذلكتها وأرقامها، فقد اعترفت أوساط وزارية قريبة من دياب انّ الموازنة طرحت عليها في ظروف غير مسبوقة لا حكومياً ولا دستورياً ولا اقتصادياً. ورغم انّ «العجلة من الشيطان»، فهي تضيف لتقول انّ تصرفات بعض الوزراء لا تنمّ عن نيّات سيئة. فالنية معقودة على إنجاز ما يمكن إنجازه وهو كثير، ولكن على اللبنانيين أن يمنحوها المهلة المعقولة لقراءة المستجدات وردات الفعل الدولية الحقيقية التي يمكن الركون اليها متى تم الإتصال المباشر مع الحكومات والمرجعيات الديبلوماسية الموثوقة والمؤسسات المانحة، فلا نقف عند مضمون بعض المقالات والمواقف التي أطلقها مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية وخليجيون ليسوا في مواقع المسؤولية.

 

وعليه، يدرك الفريق القريب من رئيس الحكومة الجديد انّ عليه أن يجهد في ترتيب البيت الداخلي ورَص صفوف الحكومة تمهيداً لتحديد خياراتها الأساسية، سواء في البيان الوزاري او لجهة بعض الاجراءات الأمنية والإدارية، فلا تُلام على ارتكابات «بريئة» في غفلة من الزمن يمكن تصحيحها وتوضيحها، ولا تعدّ كل خطواتها هدايا للمعارضة فهي ترغب ان تقدّم هداياها للبنانيين، والآتي من الأيام سيثبت ذلك.