باختصارٍ شديد، إذا كانت السلطة ضالعة في هذا المّخطّط الجهنمي لضرب الانتفاضة، فما هي حُجّة أركان هذه الانتفاضة والقيّمين عليها في التّصدي لهذه الظاهرة، وإذا كانوا عاجزين عن مثل هذه المهمة البسيطة، فكيف يمكن أن يُؤتمنوا على خلاص هذا البلد المنكوب ؟
 
إذا كانت حملات التظاهر العُنفية المشبوهة ضد مصرف لبنان المركزي، المصطبغة بالعنف من حينٍ لآخر، والتي امتدت قبل حوالي عشرة أيام إلى شارع الحمرا، مُستهدفةً بعض المصارف الخاصّة بالتّحطيم والتّكسير، مفهومةً ومعروفة المصدر والدوافع، فهي مُوجّهة ضدّ حاكم مصرف لبنان المركزي السيد رياض سلامة، لانصياعه لمعظم توجّهات العقوبات الاقتصادية الأميركية التي تطال حزب الله،( وما يكتنف إدارته من أخطاءٍ وارتكابات)، وبما أنّ الحزب كعادته دائماً، يتّبع التّقيّة ويتجنّب المواجهة المباشرة، فوجد عند بعض حُلفائه من فلول اليسار والأحزاب القومية (المأجورين) خير مُنفذٍ لهذه الهجمات المباشرة، وظلّت أهداف هذه الحملة مُحدّدة المكان والزمان، ومحدودة الأثر، فالسلطة تستطيع أن تستوعب هكذا حملات وحصر نتائجها، كما أنّ الانتفاضة الشعبية يمكن لها أن تتبنّى بعض توجهات الحملة دون أن تُلحق بجسم الانتفاضة وأهدافها أضراراً تُذكر، حتى حصل تطوُرٌ خطير في مسار أحداث الإنتفاضة، فقد دأب عددٌ غير قليل من "الثوار" المشاغبين( المشاغبين على الانتفاضة حصراً) المجيء من خارج بيروت( الشمال والبقاع) إلى وسط بيروت ومحيط ساحة النجمة، عبر باصاتٍ مدفوعة الأجر، مُحمّلين بكل ما يلزم من أدوات التّخريب والتكسير، والاعتداء على القوى الأمنية، ليبدأوا طقوس التخريب ورمي القوى الأمنية بكل ما وصلت إليه أيديهم من حجارةٍ ومفرقعات، وبلاطٍ مُقتلع وأعمدة سير وأشجار مُقتلعة، وانتظار ردود الأفعال من قِبل القوى الأمنية، التي لا بدّ لها من أن تخرج من معاقلها، لمطاردتهم بالقنابل المسيلة للدموع وخراطيم المياه، وتُودّعهم حتى الباصات التي أقلّتهم، بعد انتهاء الفصل "المسرحي" التخريبي، ليُعاد تمثيل هذا المسلسل الجهنمي في الأيام التالية، في نفس المكان ونفس التوقيت، وهكذا تغدو الانتفاضة الشعبية وتضحياتها وأهدافها وأمانيّها، بين أيدي بعض الصِّبية، يتلاعبون بمصيرها ومصير الوطن.
 
بالأمس تظاهر عشرات الآلاف من المتظاهرين في بيروت، انطلاقاً من عدّة نقاط، من ثكنة الحلو وشارع فردان، والمتحف والدورة ليلتقوا جميعاً في ساحة رياض الصلح، عشرات الآلاف حاملين على أكتافهم هموم ومشاكل البلد، رافعين اليافطات التي تُعبّر عن عدم ثقتهم بالحكومة الحالية، والدعوة لتشكيل حكومة من أصحاب الكفاءات الوطنية والتكنوقراطية المعروفين بمواقفهم الوطنية، بهدف محاكمة الطبقة المُسيطرة واسترداد المال العام المنهوب، ووضع خطة طوارئ اقتصادية ومالية لوقف التدهور، لكن، من يضع نهاية هذا الحراك المُقدّس، هم هؤلاء القلّة من المشاغبين، الذين كانوا قبل وصول الحشود الشعبية إلى ساحة رياض الصلح، على ذمّة أحد المشاركين في التظاهرة، يلعبون كرة القدم بانتظار وصولهم، ليبدأ بعد ذلك الطّقس المعتاد: اعتداءات على القوى الأمنية، ردود فعل عنيفة من قِبل هذه القوى، بهدلة واحتقار سائر المنتفضين الذين سيتلقّون ما يكفيهم من خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع،  فيتفرقوا على غير هُدى وسويّة، متوجّسين على مستقبل بلدهم وانتفاضتهم المباركة.
 
باختصارٍ شديد، إذا كانت السلطة ضالعة في هذا المّخطّط الجهنمي لضرب الانتفاضة، فما هي حُجّة أركان هذه الانتفاضة والقيّمين عليها في التّصدي لهذه الظاهرة،  وإذا كانوا عاجزين عن مثل هذه المهمة البسيطة، فكيف يمكن أن يُؤتمنوا على خلاص هذا البلد المنكوب ؟أم أنّنا ما زلنا حيث ألقت رحلها أمُّ قشعمِ. قال الشاعر:
 
فخرّ صريعاً لليدينِ والفمِ
 
إلى حيث ألقت رحلها أمُّ قشعمِ.
 
أُمُّ قشعم كناية عن المنيّة أو الحرب.