وليس أصعب من حل الأزمات سوى إدارة موقف لبنان من الصراع في المنطقة. والمخيف هو أن يقود العجز عن إدارة الأزمات إلى تعميقها.
 
لم تصدر حتى الآن أي مواقف دولية واضحة تجاه حكومة حسان دياب أو تعليقاً على تشكيلها وإعلانها. ولا يزال لبنان بانتظار موقف عربي، يوضح رد فعل معلن نحو الحكومة الجديدة. فحتى الآن، صدرت فقط بعض المواقف التي لا يمكن اعتبارها رسمية، إلا أنها تصف حكومة دياب بحكومة جبران باسيل وحزب الله. في المقابل، أعطت الإنطلاقة الحكومية في لبنان دفعاً داخلياً، ستتوقف مستوياته على قدرات الحكومة في إبتداع حلول إقتصاديّة، وخصوصاً في وضع لبنان على سكة الخروج من الهاوية.
 
توحي تلك المعادلة بأنّ العمل الحكومي سيتركّز على فرض معالجات إقتصادية واجتماعية، بعيداً عن المناكفات السياسية. بالطبع لا يكفي العنوان التكنوقراطي لتأمين متطلبات الشعب، لأن الحاجة هي لمعالجة أزمات: هل تستطيع الحكومة تأسيس خلايا لإدارة الأزمات؟. وتشير الاوساط الى ان المرحلة الراهنة يشوبها الكثير من الضبابية والقلق في آن، نظراً للتطورات الداخلية المتمثّلة بالتصعيد السياسي والأحداث الأمنية 
يتفق العديد من الافرقاء السياسيين والمتابعين عن قرب على وصف الحكومة اللبنانية  الجديدة برئاسة حسان دياب بأنها حكومة صفقة الامر الذي سيصعب مهمتها بشكل كبير وسيضعها بين مطرقة الداخل وسندان الخارج . 
 
يتحضر البلد للدخول في مرحلة جديدة في زمن عودة سيطرة اللون  السياسي الواحد والسؤال الذي يواجه الجميع هو وماذا بعد؟ وقد كان لافتا ما اعلنه وزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو داعيا الى حكومة غير فاسدة ومتوجها الى حزب الله قائلا: كفى. دخل لبنان في مرحلة جديدة  من التحديات وحكومة دياب لم تبشر بـ الخير الكثير تقترب الحكومةُ الجديدةُ في لبنان من حقل الغام مالي  اقتصادي في الوقت الذي تُحاصرها الغضبةُ الشعبية المتفجّرة منذ 17 تشرين الماضي والتي رفعتْ بوجهها لا ثقة مدوّية يتردّد صداها في أروقة المجتمع الدولي الذي يضعها تحت المراقبة اللصيقة كونها وُلدت في كنف حزب الله. ولم يكن عابراً أن تستعيد الثورةُ في مئويتها الأولى نبَضها السلمي وحِراكها العابر للمناطق والطوائف بعد أيام طغى عليها النَفس العنفي.
 
وعلى وهجِ الاعتراضات على الأرض تمضيالحكومة في تسريع إنجاز البيان الوزاري الذي ستنال على أساسه ثقة البرلمان الذي ستمْثل أمامه في جلسة الموازنة التي ستُقَرّ من فوق الالتباسات حول دستورية أن تمثّل حكومة دياب الحكومةَ الراحلة وقبل نيلها الثقة التي ورثتْ عنها مشروع الموازنة. وستشكّل هذه الموازنة، إلى جانب الخطة الانقاذية التي يفترض أن يضع البيان الوزاري خطوطَها العريضة أول تماس للحكومة مع الداخل والخارج ،وفي حين يعمل رئيس الحكومة على تحديد موعد للقاء مفتي الجمهورية في دار الفتوى عبر وسيط من قبله وهو ما اشارت اليه معلومات لفتت المصادر الاسلامية الى ان صمت المفتي دريان وعدم اطلاقه مواقف من الاستحقاق الحكومي منذ تكليف الرئيس دياب وحتى الان ابلغ ردّ على محاولات الرئيس دياب، فصمته هو موقف بحدّ ذاته. وما يزيد في الطنبور نغم، العزلة التامة التي يعانيها لبنان و الإنكفاء الدولي.
 وفيما سُّجل أول تواصل خارجي رفيع المستوى مع لبنان تمثل باتصال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس ميشال عون .
 
 وفي السياق، اوضحت مصادر ان الاجواء العربية، لاسيما الخليجية غير مؤاتية لاستقبال الرئيس المكلّف رغم اعلانه عن جولة عربية وخليجية في القريب العاجل، وهي تتريّث باستقباله. كما عبرت مصادر سياسية عن قلقها تجاه غياب النشاط الدبلوماسي العربي والدولي عن الساحة اللبنانية. ورأت أن معظم دول العالم كانت مشكلتها مع لبنان أنه يحتضن حزب الله الذي تصنفه مجموعة كبيرة من دول العالم تنظيماً إرهابياً يسعى للسيطرة على لبنان ليلاقي المشروع التوسعي الإيراني في الشرق الأوسط،. في المقابل، لاحظت مصادر سياسية لبنانية صمتاً عربياً مدوياً تجاه الحكومة، ورأت أن هذه الحكومة قضت على إمكانية إجراء خرق على مستوى تحسن العلاقات العربية مع لبنان، سائلة إلى أين ستتوجه الحكومة اللبنانية التي تسعى إلى استدانة حوالى خمسة مليارات دولار للبدء بعملية تحريك جزئي للاقتصاد وخصوصاً أن الوزراء الجدد استلموا وزارات مفلسة تماماً. أضافت أن فريق العهد كان يعول على وديعة قطرية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، إلا أن آخر المعلومات أشار إلى أن القطريين تراجعوا نتيجة ضغوطات أميركية كون الإدارة الأميركية كشفت أن هذه الوديعة هي تمويل غير مباشر لـ حزب الله. 
 
لا سبيل لفك الخناق عن الاقتصاد اللبناني سوى بالحصول على نحو 5 مليار دولار بصورة فورية لضخ الدماء في العروق المصرفية و السماح لصغار المودعين بتحريك ارصدتهم، لكن لتحقيق ذلك شروطا وتعقيدات هي بحكم المستحيل على حكومة دياب تأمينها، خصوصا مع طلائع المواقف السلبية من حكومة الاقنعة لـ حزب الله. وفي هذا السياق لفت كلام مُساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر ان واشنطن ستتابع عن كثب إن كانت الحكومة الجديدة ملتزمة محاربة الفساد وإخراج لبنان من أزمته المالية. وأقرّ شنكر بأن هذه الحكومة شكّلها ويدعمها حزب الله ومؤيدو النظام السوري في لبنان، وهذا يطرح أسئلة كثيرة، بمعنى هل ستكون هذه الحكومة ملتزمة محاربة الفساد والقيام بالإصلاح لأن حزب الله يعيش على الفساد وسننتظر ونرى، ملمحاً إلى عقوبات جديدة ربما ستفرض في وقت قريب . وليس أصعب من حل الأزمات سوى إدارة موقف لبنان من الصراع في المنطقة. والمخيف هو أن يقود العجز عن إدارة الأزمات إلى تعميقها، وللحديث صلة .