سؤال واكب تشكيل حكومة حسان دياب: كم هو عمرها؟ وهل سيُكتب لها أن تحكم؟ وهل ستتمكن من عبور الحواجز الطيّارة التي ستنصبها المعارضة في طريقها؟
 

معارضو هذه الحكومة، يقاربونها كحالة موقتة قصيرة الأجل، ومحطة انتقالية الى زمنهم الحكومي الآتي بعد اشهر قليلة، وبعضهم حسم فشلها منذ الآن، وعدم تمكنها من مقاربة أزمة اكبر من قدراتها، وبدأ برسم سقف لعمر هذه الحكومة يتراوح بين 4 الى 6 اشهر على الأكثر.

 

قد تبدو هذه المقاربة في نظر كثيرين، أنّها إمّا منطلقة من خلفية انفعالية رافضة للزمن الحكومي الجديد، وإمّا هي مبنية على قراءة خاطئة للوقائع التي احاطت بقرار خصومهم الذهاب الى حكومة لون واحد، او مبالغة في التقدير.

 

الّا انّ ما يحمل على التمعّن ملياً في هذه المقاربة وأبعادها، هو انّ بعض الصف الأول في الفريق المعارض للحكومة، قال صراحة لبعض القريبين منه، إنّه مستعد ان «يشارط» ايًّا كان على انّ حكومة دياب، لن تعمّر طويلاً، وستسقط بعد اشهر معدودة اقل من اصابع اليد الواحدة. على انّ اللافت للانتباه في هذه الحماسة لــ«المشارطة» انّها لم تقترن بتوضيح سبب سقوط الحكومة، وما اذا كان تحت ضغط الشارع، او جرّاء عوامل وتطورات منتظرة داخلية او خارجية.

 

أما الصورة في المقابل، فلا تبدو محاطة باطمئنان كامل، بل اطمئنان حذر، حتى ضمن الفريق الذي ألّف الحكومة. فالمسلّم به لدى هذا الفريق، انّها ليست الحكومة النوعيّة التي يريدها محصّنة بطوق سياسي يقيها من العواصف التي ستهبّ عليها، سواء من الداخل او الخارج، بل هي حكومة أمر واقع، لأنّه لم يتوافر بديل منها، أحسن منها، بعدما فشلت كل المحاولات مع الرئيس سعد الحريري للذهاب الى صيغة بديلة عنها، وكان يُفضَّل لو أنّها جامعة، فلكانت امتلكت عناصر قوة اضافيّة تمكّنها من القيام بمهمتها الشاقة بدفع اكبر.

 

بالتأكيد انّه لو قيّض لمعارضي هذا «الأمر الواقع»، ان يطيحوه، لنسفوه أمس قبل اليوم. ولكنه، بمعزل عن قوته أو ضعفه، كان اقوى من قدرة المعارضين على منع فرضه عليهم. ولذلك، ما على المعارضين، كما يقول أهل الحكومة، سوى التكيّف معه الى ان يقضي الله امراً كان مفعولاً.

 

والمقصود بالدعوة الى التكيّف اكثر من سائر معارضي الحكومة، هو الرئيس سعد الحريري. فبعض اهل الحكومة، مقتنع بأنّ الحريري أعدّ عدّته لمواجهة قاسية مع الحكومة لإسقاطها.

 

وينطلق هذا البعض من التغريدات المتتالية للرئيس السابق للحكومة بعد عودته من سفرته الطويلة الى بيروت، والتي حضّ فيها على التعجيل بتشكيل الحكومة، ليقول: «انّ الحريري وضع نفسه في الفترة الأخيرة امام عدّين تنازليّين، الأول عدّ تنازلي - انتهى - لإنهاء فترة تصريف الاعمال وخروجه من المسرح، وعدّ تنازلي بدأه لسقوط الحكومة - وهو مقتنع بأنّها ستسقط - لكي يأتي بعدها الى رئاسة الحكومة على حصان أبيض.

 

في العدّ الأول، كان جلياً انّ الكرة ليست في يد الحريري. اما في العدّ الثاني، فإنّ الكرة في يده ويملك المستلزمات للعب بها، والقدرة على تحريك تياره وشارعه في الاتجاه الذي يخدم توجّهه.

 

وثمة من يدعم هذا الامر بقوله، انّ الحريري اليوم مختلف تماماً عن الحريري أمس. فلا تستهينوا بما يمكن ان يفعله. فضلاً عن انّه منذ مدة لم يزر السعودية، فلا تتفاجأوا إن رأيتم الحريري في وقت قريب جداً في الرياض.

 

هذه الصورة الظاهرة في الضفة المعارضة للحكومة، حملت أحد ظرفاء السياسة على يبعث رسالة طريفة إلى بريد المعارضين، لخّصها بقوله: «ما يجب ان يكون معلوماً انّ في السياسة يومين، يوم لك ويوم عليك، ويمكن ان يُقال ايضاً انّ في السياسة شيئين؛ «شاكوش» و»مسمار»، فيوم في يدك «الشاكوش» وفي رأس غيرك «المسمار»، ويوم في يد غيرك «الشاكوش» وفي رأسك «المسمار». والغريب في الأمر هذه الأيام أنّ هناك من أراد عن سابق تصوّر وتصميم وعناد، أن يكون في رأسه «المسمار»!

 

المسلّم لدى الفريق الذي ألّف الحكومة، انّه مقبل على معركة سياسية شرسة. فمعارضو الحكومة لا يخفون انّهم سيكمنون لها على كل المفارق، وسيزرعون طريقها بالألغام والمفخّخات من شتى الانواع والالوان وبمختلف الطرق والاساليب وبتصعيد كبير في الشارع، وهو امر يلقي على هذا الفريق ثقلاً كبيراً، في التحوّل الى كاسحة الغام امام هذه الحكومة، لانّه يعتبر أنّها محكومة بأن تنجز، وممنوع عليها ان تفشل، لأنّ كلفة هذا الفشل ستكون باهظة وكبيرة جداً عليه، ليس فقط على الفريق الذي ألّفها بل على البلد عموماً.

 

وإذا كان معارضو الحكومة قد حسموا فشلها مسبقاً، وبدأوا يتعاطون معها على هذا الاساس، سواء بالهجوم السياسي والاعلامي أو ببعض التحرّكات التصعيدية في الشارع، الاّ انّها في الوقت نفسه محل اختبار ضمن الفريق الذي ألّفها، لمدى متوسط الأجل، والحكم عليها سيصدر بحجم ما ستُقدم عليه من خطوات إنقاذية وإصلاحات ومبادرات، لتقريب المسافات بين اللبنانيين وتوسيع المساحات المشتركة في ما بينهم.

 

ولعلّ الدلالة هنا في موقف الرئيس نبيه بري، الذي يؤكّد على أن تكون الحكومة حكومة طوارىء انقاذية، ومهمّتها الأولى والملحّة التصدّي للوضع المالي والشروع في معالجته بما يتطلّبه من خطوات. فحينما سُئل عن تقييمه للحكومة، أمل أن تنجح، من دون أن يحكم عليها مسبقاً، لكنّه أورد طرفة تستبطن جواباً، وفيها انّ رجلاً كبيراً في السنّ كان يمتطي حماراً في احد جرود قرية نائية، متوجّها اليها، فمرّ به شخص يسير على قدميه، وما إن وصل الى محاذاته وبعدما حيّاه، حاول الشخص الراجل ان يستدلّ على احدى القرى وسـأله قائلاً: اقصد القرية الفلانيّة، ولا أعرف وجهتها، فهل ترشدني اليها؟

 

ففرد الرجل المسن ذراعه امامه وردّ قائلاً: انّها في هذا الاتجاه.

 

ثم سأله الشخص الراجل: كم من الوقت احتاج لكي أصل اليها؟

 

فلم يردّ الرجل المسنّ.

 

فكرّر الشخص الراجل سؤاله، الاّ انّ الرجل المسنّ لم يرد ولم ينبث بأي كلمة.

 

فاستسلم الشخص الراجل ومضى في طريقه والغضب بادٍ على وجهه، لكن ما ان ابتعد لنحو خمسين متراً، حتى ناداه الرجل المسنّ قائلاً: «تحتاج لثلاثة ارباع الساعة».

 

فلمّا سمع الشخص الراجل كلام الرجل المسنّ، عاد إليه وقال له بنبرة فيها شيء من الحدة والعتب: «كنت الى جانبك وسألتك ولم تردّ عليّ، لكنك عدت وأجبتني عندما ابتعدت عنك مسافة؟».

 

فردّ الرجل المسنّ من فوره: «أردت أن أراقب طريقة مَشْيِك».

 

لقد كان قصد الرجل المسنّ انّ الوقت المحدد للوصول الى القرية المقصودة، يختلف إن كان مشي الشخص الراجل سريعاً او بطيئاً، فالمشي السريع يحتاج الى وقت معيّن، والمشي البطيء يحتاج الى وقت أطول. وهذه هي حال الحكومة، فالحكم النهائي عليها بعد أن نرى كيف ستمشي؟

 

تبعاً لذلك، فإن جلّ ما يريد الفريق الذي ألّف الحكومة هو أن تُمنح حكومته فرصة لتعمل، فعملها وحده، وليس اي عامل آخر أيّا كان شكله، هو الذي يحدّد ما اذا كان عمرها قصيراً، إن ثبت أنّها عاجزة وفاشلة، او سيكون طويلاً تبعاً لما قد تنجزه من خطوات وإصلاحات على طريق معالجة الأزمة التي تخنق البلد.