سمعتُ، أدام الله السامعين، أديباً عربياً حداثياً يتحدّث عن تجربته الحديثة في عالم النثر والشعر. ويبدو، كما فهمت من شرحه المتميز لتجربة متفرّدة عن سائر الإبداعات، أنه لا يجلس ليكتب إلا إذا كانت نفسه الأبية في حالة «جياشان». ويعبر عنها بالعامية بالقول «شياشان»، كما في قول زياد رحباني شاكياً عن شعور بالكتابة «نفسي شايشة». وعندما يسأله رفيقه ماذا يعني يقول: «يا خيي ما بعرف. بس شايشة».

 


تساءلت ما إذا كان ممكناً للأديب الحديث أن يعرِّفنا بنفسه من باب آخر، غير باب «الجياشان». لكن الأدباء الجدد يريدون التأكيد على أنهم مختلفون ومتقدمون ولا يستخدمون التعابير التي عاش بها ومعها الناس العاديون. من أين للبياتي والسياب وحافظ إبراهيم، هذا التجديد في اللغة.

 


حدث هذا الالتواء عند ازدهار موجة الشعر الحديث في الستينات والسبعينات. إلى جانب الشعراء الكبار ظهرت فرق ومفرزات وفصائل من أشباه الموهوبين أو المارين انتقالياً على برزخ الشعر، مع وعد أكيد، بعدم إكمال الطريق، بل العودة إلى ما قبله. كان ادعاء الشعر يومها موضة عالمية في كل مكان وكل البلدان: أوروبا وأميركا وبلادنا، وقد انضّم إلى القافلة متشردون ومتسكعون ويائسون ومحتالون وعشاق بلا أمل وناس بلا طموح أو كفاءة. ووجد أهل هذا الافتراء أن اللقب الوحيد الذي يمكنهم زعمه من دون أن يحالوا على القضاء هو الشعر.

 


على الأقل لتقطيع المرحلة والتغزّل بليلى، أينما كانت، وسواء كانت مريضة أو في حيوية تحية كاريوكا. ولم يخلفها أحد، خالتنا تحية. لا في الجمال، ولا في الزيجات ولا في العمل السياسي، ولا في دخول السجون لكي تثبت للناس أنها ليست مجرد رقاصة في كازينو بديعة. إنها سيدة. ومدام، أربعتشر مرة. وقد ضحك منها الأزواج. وخانوها. ورمتهم من النوافذ لكنها لم تخنهم. وقالت لأشهرهم وأكثرهم وسامة وهما يا دوب خارجان من شهر العسل: خود هدومك المنيلة واطلع برة.

 


وكان ذلك في الواقع وليس في أفلام فطين عبد الوهاب. وأخذ رشدي أباظة نفسه وطلع برة. وكانت صباح مارة بالصدفة فتزوجها، وقالت بعد طلاق سريع قولها المأثور: «اللي ما تجوزتيش رشدي أباظة ما تجوزتيش». ومضى «كل في طريق». سواح. آه - عفواً، نسينا «الجياشان». الحمد لله.