ستؤلّف الحكومة الجديدة في أي وقت، ولم يعد مهماً مضمونها وحجمها وشكلها وحتى اسمها أمام حجم الازمة التي يفترض ان تتصدى لها، وهي ازمة سياسية، اقتصادية، مالية، معيشية، اجتماعية، وحتى أمنية. لكنّ إنجاز هذا الاستحقاق لن يوقف الحراك في الشارع الذي اختلط فيه حابل المطالب الشعبية والثورة على الفساد والمسؤولين بنابل السياسة والسياسيين الذين رَكب بعضهم موجة الحراك لتنظيف «سجلّه العدلي» والتعمية على ماضيه الملطّخ بالفساد.
 

يعتقد سياسيون أنّ الأهم من تأليف الحكومة هو ما سيكون بعده، في ظل الوضع الداخلي المفتوح على كل الاحتمالات، تماماً كالوضع الاقليمي المفتوح هو الآخر على كثير من التطورات في ضوء المواجهة الاميركية - الايرانية التي لم تنته فصولاً باغتيال اللواء قاسم سليماني والرد الايراني عليه بقصف قاعدة الاميركيين عين الأسد.

 

في الداخل تدور أزمة سياسية عميقة بين القوى المشاركة في الحكومة وبين تلك التي رفضت المشاركة وقررت التَموضع في موقع المعارضة، محاولة التناغم مع الحراك الذي شملها بغضبه عندما رفع شعار «كلّن يعني كلّن».

 

وبغضّ النظر عمّا ينسج من سيناريوهات لِما يمكن الحكومة العتيدة ان تقوم به، فإنه سيكون عليها بذل جهود جبارة لتحقيق انجازات من شأنها ان تمكّنها من نيل ثقة الداخل والمجتمع الدولي في آن، فهي ستكون «حكومة اختصاصيين مستقلين»، وهؤلاء المستقلون ليسوا حزبيين، ولكن القوى السياسية سَمّتهم في إطار لعبة المحاصصة على مستوى الاسماء وتوزيع الحقائب الوزارية، وهو ما يثير حفيظة المحتجين في الشارع الذين يعتبرون انّ هذه الحكومة لن تكون مختلفة عن سابقاتها لِما تنطوي عليه من محاصصات، ما يعني انهم لن يخرجوا من الشارع بعد التأليف حتى يلمسوا مدى التغيير على ارض الواقع لجهة إنقاذ البلاد من أزماتها، وكذلك على مستوى التعاطي العربي والدولي مع لبنان المأزوم مالياً واقتصادياً، والمُحتاج بإلحاح الى إنعاش عاجل يمنعه من الانهيار.

 

لكنّ المتشائمين من السياسيين يقولون انّ الحكومة الجديدة أيّاً كان حجمها وشكلها ومضمونها «لن تنجح في تحقيق الإنقاذ الموعود لأنها من لون واحد تعذّر على مكوّناته أن تتفق في ما بينها على تقاسم المقاعد الوزارية والحقائب، في حين كان يفترض ألّا يكون التباين موجوداً بين أبناء اللون الواحد، وأن تؤلف الحكومة تلقائياً وبلا أي عوائق. ويضيف هؤلاء: «طالما انّ هذا اللون الواحد لم يتفق في ما بينه، كيف له أن يتفق مع الآخرين الموجودين خارج الحكومة والذين سيشكلون جبهة معارضة في وجهه؟».

 

لكنّ سياسيين آخرين يقولون «انّ تطور الاوضاع الداخلية نحو الأسوأ بفعل الازمة الاقتصادية والمالية يدفع الى الاعتقاد أنّ أي تدبير أو علاج سيتخذ لها بات لن يجدي نفعاً، لأنّ المرض تفشّى في الجسم كله وبات يحتاج الى أعجوبة حتى يشفى».

 

ويضيف هؤلاء «انّ الازمة أصابت بشظاياها وشرورها الجميع من اهل اللون الواحد هنا وهناك، فلا فريق 8 آذار مرتاح ولا فريق 14 آذار، كلاهما مأزوم ويستشعر خطر الانهيار المالي والاقتصادي، وخطر الغضب الشعبي المتفجّر الذي يكاد أن يسكن كل بيت من بيوت اللبنانيين، فضلاً عن خطر تحوّل الحراك الشعبي السلمي حراكاً سلبياً بفِعل ما بدأ يرافقه من أعمال عنف وتخريب خَلّفت حتى الآن مئات الجرحى وخسائر مادية فادحة، فضلاً عن الصورة السلبية التي بدأت تتكوّن عن لبنان عربياً ودولياً».

 

على أنّ ما يتوقف عنده المتابعون من سياسيين وديبلوماسيين هو استمرار تَجرّؤ بعض المحتجين السلميين منهم او الذين يمارسون اعمال الشغب والتخريب، على مجموعة من القيادات السياسية في الضفتين السياسيتين، الأمر الذي لم يحصل في كل الحركات الشعبية على مر السنين، إذ كان التعرّض لأي شخصية كبيرة او مؤثرة بمثابة المحرمات التي لا ينبغي لأحد ان يرتكبها. ويخشى هؤلاء من ان يكون تكرار المحتجّين لهذا التجرؤ دالّاً الى احتمال حصول رفع غطاء سياسي خارجي عن كل الطبقة السياسية او غالبيتها، تمهيداً لفتح ملفات فساد تُطاولها من الخارج الى الداخل، بمعنى انّ الجهات الدولية المتدخلة علناً او مداورة في الحراك وما حوله وفي الوضع اللبناني عموماً، ستحاول ان «تُقوطِب» على بعض القوى الداخلية التي تخوض معركة مكافحة الفساد، وذلك لمنعها من الإنجاز، ونَسب الانجاز الى نفسها، خصوصاً في حال فتحت ملفات الاموال التي تم تحويلها الى الخارج واموال السياسيين اللبنانيين في المصارف الاجنبية، والتشكيك في نظافة هذه الاموال وسلامة مَنشئها.

 

وهناك سياسيون مطّلعون يربطون مصير الحكومة العتيدة بمستقبل الوضع الداخلي واستحقاقاته، وكذلك الوضع الاقليمي واستحقاقاته التي فتحت سجلها المواجهة الاميركية ـ الايرانية.