ألم يكتشف أردوغان بعد أن أجيال العرب الجديدة المتفتحة تتطلع اليوم إلى دخول القرن الحادي والعشرين، ومشاركة العالم المتحضر قيم الحرية والكرامة والاستقلال، ورفض الاستعمار.
 

مؤكد جدا أن أحوال شعوب العراق وإيران وتركيا وسوريا واليمن والبحرين ولبنان وفلسطين ومصر وتونس وليبيا كانت ستكون أجمل وأكثر أمنا وتقدما وهيبة ورخاء لو لم يولد الخميني وأردوغان.

 

ومؤكد أيضا أن العالم يكون أرقى وأهنأ وأسلم دون قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس وحسن نصرالله والحوثي، وقبلهم جميعا حسن البنا وسيد قطب وما أنجبته أفكارهما السلفية المتطرفة وسلوكهم المحتقن الدموي من أحزاب وتنظيمات سرية وعلنية تمارس مهنة الغزو والقتل والحرق والغدر، وتنشر الخوف والرعب في البلاد الآمنة، حاملة راية الإسلام، ومبشِّرة شعوبنا وشعوب العالم الأخرى، بخلفاء من خامة ابن لادن وأيمن الظواهري وأبي مصعب الزرقاوي وأبي بكر البغدادي وقاسم سليماني، وأمثالهم من المأزومين الموتورين الحاقدين على البشر والحجر والشجر، وحتى على أنفسهم في أغلب الأحيان.

 

ترى، أيُّ إسلام هذا الذي يجيزُ لحاكم أن يأمر بالقتل، وبالحرق، والاغتيال والاحتيال وغزو البلاد القريبة والبعيدة، وتسليح المارقين من أبنائها وتلقينهم فنون الغدر والتعدي على البلاد والعباد، ويبيح لهم المتاجرة بالمخدرات وجميع الممنوعات وبنهب المصارف وتهريب المطلوبين للعدالة وباغتصاب المحصنات؟ وهو الذي يفترض أنه تولى السلطة باسم الدين لكي يهدي الناس إلى الصراط المستقيم، ويعلمهم مفاهيم الحرية والكرامة، ويكافح من أجل توفير لقمة العيش الكريم لعباد الله أجمعين؟

 

فمن آخر أخبار السلطان العثماني الجديد رجب طيب أردوغان أنه خاطب كتلته النيابية قائلا، إن ليبيا كانت “لعصور طويلة جزءا هاما من الدولة العثمانية”، و”لا أحد بإمكانه أن ينتظر منا إشاحة وجهنا عن إخوتنا الليبيين الذين طلبوا منا يد العون. إن نصرة أحفاد أجدادنا في شمال أفريقيا تأتي على رأس مهامنا. إن أبناء كور أوغلو سواء عندنا مع تركمان سوريا والعراق وأتراك البلقان وأتراك الأهسكا في القوقاز. نحن على وعي بمسؤوليتنا التاريخية تجاه إخوتنا العرب والأمازيغ والطوارق في ليبيا، هؤلاء وقفوا بجانبنا في أحلك أيامنا في التاريخ، وعلينا أن نكون بجانبهم في هذه الأيام العصيبة”.

 

إذن، وبنفس هذا المنطق الذي يريد به أن يُحيي العظام وهي رميم، نناشد معتصم العصر الجديد بشار الأسد أن يأمر شبيحته “المجاهدة” بالتوقف عن تقتيل السوريين وتهجيرهم، والتوجه فورا إلى الإسكندرون لتحريرها وإعادتها إلى وطنها الأم بقوة السلاح.

 

بل نطالب قوات الدول العربية المسلحة بأكثر من ذلك، ونحثها على غزو تركيا التي كانت، كلها، جزءا مهما من الدولة العربية الأموية، ثم العباسية، عشرات من القرون، وإعادتها إلى سابق عهدها.

 

شيء آخر، إن على الخليفة أردوغان، وفق منطقه الجديد، ألا يكتفي باحتلال ليبيا وحدها وضمّها إلى إمبراطوريته الجديدة، بل بتجييش جيوشه الإنكشارية وغزو العراق وسوريا ونجْد والحجاز وفلسطين ومصر أيضا. ألم تكن أجزاء مهمة أيضا من الدولة العثمانية القديمة؟

 

وبنفس هذا المنطق العنصري الطائفي العجيب، إذن، يصبح لزاما علينا أن نُقر بشرعية اندفاع جيوش الولي الفقيه وميليشيات “مجاهديه” البواسل لاحتلال العراق، واعتباره الفرع الذي كان غائبا ثم عاد إلى أصله في أحضان الإمبراطورية الفارسية الجديدة الممتدة حدودها حتى شواطئ البحر المتوسط، وعاصمتها بغداد.

 

وإذا قررنا إتباع هذه الفلسفة الجديدة فسوف يصبح من حق العراقيين والخليجيين أن يُعيدوا إلينا، بقوة الصواريخ والدبابات والطائرات المسيرة، أملاكنا، قبل ظهور الإسلام وبعده بمئات السنين، الأحواز، نهاوند، همذان، أصفهان، قومس، جرجان، طبرستان، أذربيجان، كرمان، سجستان، مكران، وخراسان.

 

ثم ألا يستحي من الحديث عن عهود استعمار أجداده السلاطين العثمانيين الأسوأ من كل أنواع الاستعمار في التاريخ، وأكثرها إفقارا لأهل البلاد التي يحتلونها، وأشد تتريكا وتجهيلا وظلما وعدوانا وهمجية؟

 

وكيف لم يكتشف إلى الآن أن الأجيال المتعاقبة من العرب الليبيين والمصريين والسوريين والعراقيين والنجديين والحجازيين يتوارثون ذكرياتهم المرّة الكريهة التي حفرتها في تاريخهم أزمنةُ الهيمنة العثمانية التي لا تنسى؟

 

وأخيرا، ألم يتعلم بعد كل هذا العمر السياسي والديني أن يقرأ التاريخ، وأن يتأمل الجغرافيا، ليعرف أن العالم اليوم هو غيره بالأمس، وأن منطقه العنصري الطائفي المستفز هذا يحول ملايين العرب من الرغبة في التعايش والتفاهم وتبادل المصالح مع الدولة التركية، إلى بغضها، وبغضه هو شخصيا، ومقاطعة شعبها الشقيق؟

 

ألم يكتشف بعد أن أجيال العرب الجديدة المتفتحة تتطلع اليوم إلى دخول القرن الحادي والعشرين، ومشاركة العالم المتحضر قيم الحرية والكرامة والاستقلال، ورفض الاستعمار حتى لو جاء بعباءة الدين، وعلى أيدي الخلفاء الجدد المتخلفين؟