كل المؤشرات تدلّ الى انّ الأمور تتجه من السيئ نحو الأسوأ، وحتى الحكومة العتيدة التي كان يمكن للبعض ان يمنحها فرصة، ولكن تم تفويت هذه الفرصة بإظهارها حكومة محاصصة بامتياز، وأركانها يتصارعون على قالب الجبنة فيما البلد يحترق والناس تجوع.
 

قد يقول قائل انّ أسباب العرقلة الحكومية تتراوح بين خلفيات مؤامراتية ومعطيات إقليمية، لأن لا مبرر إطلاقاً لهذه العرقلة بين فريق من لون واحد، وبالتالي لا بد من ان تكون هناك معطيات مخفية أو خارجية تؤخر التأليف ويتم تغطيتها بعراقيل محلية، ولكن في الحقيقة لا أسباب خارجية للعرقلة لسببين أقله: كون مبادرة التأليف في يد الفريق الممانع ولا يُعقل أن تكون طهران في موقع المعطِّل لفريقها في لبنان، وكون إهمال الأزمة المالية يؤدي إلى الانهيار الشامل الذي لا مصلحة لـ«حزب الله» فيه، وأمّا الخلفيات المؤامراتية فتكمن في ذهنية الفريق المؤلف للحكومة.

 

وهذه الذهنية القديمة - الجديدة القائمة على ثلاثية المحاصصة والمصلحة والنفوذ، والعاجزة عن التأليف لمواجهة أزمة غير مسبوقة في تاريخ لبنان بسبب حساباتها الضيقة، ليست بكل بساطة مؤهلة لمهمة الإنقاذ، ولذلك محكوم على الحكومة العتيدة بالفشل.

 

وأمّا الخلافات التي تحول دون صدور مراسيم التأليف فتتراوح بين 3 احتمالات:

 

ـ الإحتمال الأول، «الثلث المعطّل» الذي يسعى الوزير جبران باسيل لانتزاعه ويرفض «حزب الله» منحه إيّاه، فطلب «الحزب» من القوى الحليفة له ان تفتعل العقد والمطالب بغية دفع باسيل إلى التنازل، والمطلب نفسه كان محور خلاف في الحكومة المستقيلة حين جاهَر باسيل بحق رئيس الجمهورية وفريقه في امتلاك هذا الثلث، ولكن أوساط رئيس «التيار الوطني الحر» تنفي هذا الهدف بحجة انّ الحكومة من فريق واحد، وبالتالي لا حاجة لورقة الثلث، إلّا أنّ السعي إلى هذه الورقة لا علاقة له بفريق واحد او غيره، إنما ينم عن اقتناع لدى العهد بأنّ هذا حق من حقوقه أولاً، ولأنه يريد ثانياً التحكّم بمفاصل الحكومة وعدم الاتّكاء فقط على دور رئيس الجمهورية في جدول الأعمال ورفع الجلسات، خصوصاً انّ التيار يعطي الأولوية للسلطة وممارستها على الأمور المبدئية.

 

ـ الاحتمال الثاني، الضغط على الرئيس المكلف لكي يتراجع عن تمسّكه بحكومة من ١٨ وزيراً، لأنّ مجرد رفع التشكيلة إلى 20 وزيراً يؤدي إلى حلّ 3 عقد دفعة واحدة: إسقاط ثلث باسيل المعطّل، إدخال «الإشتراكي» إلى التشكيلة، ومعالجة الاعتراض الكاثوليكي، فيما يعتبر الرئيس المكلف انّ تراجعه يشكل انتكاسة له وانّ العقد مفتعلة بغية كسر إرادته عمداً قبل التشكيل.

 

ـ الاحتمال الثالث، رفض باسيل التهاون مع رئيس مكلف يسلِّم بمطالب الثنائية الشيعية ويضع العصي في دواليب مطالب «التيار» ورئيس الجمهورية، ولأنّ باسيل يتجنّب ان يلعب أوراقه مكشوفة على غرار المرحلة السابقة التي كان يشترط فيها المقايضة، فإنه لم يهضم توريز الرئيس المكلف شخصية مسيحية في الوقت الذي يعتبر انّ كل هذه الحصة يجب ان يكون من حقه باستثناء وزير لـ«المردة» وآخر لـ«الطاشناق»، وبالتالي ليس في وارد إنقاص حصته الى أقل من 7 وزراء نزولاً عند مطالب الحزب السوري القومي الإجتماعي أو تيار «المردة».

 

وفي موازاة العقد المحلية البسيطة، هناك من يقود مغامرة خطرة جداً متكئاً او مستغلاً انتفاضة الناس وغضبهم في محاولة للتخلص من 3 شخصيات في مواقع حسّاسة دفعة واحدة، وذلك من خلال تهيئة البيئة الشعبية والسياسية المناسبة:

 

ـ أولاً، تحميل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة كل أزمة الصرف والدولار والمصارف، وهذا التوجّه غير بريء لأنّ المسؤولية تقع على السلطة التنفيذية بالدرجة الأولى ومن دون تبرئة سلامة طبعاً من دوره السلبي في انزلاق الوضع وتَردّيه، ولكن حصر المسؤولية بشخص الحاكم يؤشّر إلى توجّه الى حرف الأنظار عن المشكلة الحقيقية التي تستدعي تغيير كل السياسة المالية واللجوء إلى خطوات تصحيحية واسعة وكبرى، فيما هناك من يريد الاكتفاء باستبدال سلامة وإبقاء القديم على قدمه، وهذا التوجه لن ينجح لأنّ الأزمة أكبر من استبدال شخص وتتصل بسياسة عامة.

 

ـ ثانياً، في موازاة شيطنة سلامة يتم العمل على شيطنة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وقوى الأمن من خلال وضعهما في مواجهة مباشرة مع الناس المنتفضة ضد سلطة ترفض التجاوب مع مطالبهم، فالناس لا ينتفضون ضد قوى الأمن او المؤسسة العسكرية، إنما ينتفضون ضد الأكثرية الحاكمة التي تتعامل بخفة مع الشارع ولا تعطي الأهمية للأزمة الكارثية التي تضرب لبنان، ولكن يبدو انّ هناك من وجد في المواجهة بين قوى الأمن التي تمارس عملها والناس المنتفضة بسبب سوء الوضع مناسبة لاستغلالها من أجل تهيئة المناخات الشعبية لتهريب استبدال عثمان على وقع شيطنة قوى الأمن وبحجة غير سياسية، وذلك تماماً على غرار استبدال سلامة الذي تحوّل الاستغناء عنه مع الأزمة طبيعياً.

 

ـ ثالثاً، يحكى عن تقاطع مصالح بين باسيل الذي يريد التخلّص من قائد الجيش جوزف عون بعد تحوّله الرقم الأصعب رئاسياً في الاستحقاق المقبل أو في أي استحقاق مفاجئ، وبين «حزب الله» الذي يريد استبداله من أجل تحقيق 3 أهداف: توجيه رسالة إلى واشنطن مفادها انّ ترددات اغتيال قاسم سليماني لم ولن تنتهي، والرد المتعذّر عسكرياً من لبنان سيكون من طبيعة عسكرية ولكن سياسية بتغيير قائد الجيش؛ والهدف الثاني ترسيم العلاقة بين الجيش وواشنطن؛ والهدف الثالث عدم الاكتفاء باستبعاد الصدام بين الطرفين إنما العمل على إعادة الإمساك بمفاصل القرار في المؤسسة.

 

وما تجدر ملاحظته انّ «حزب الله» سيكون مستفيداً من التغيير المثلث في الحاكمية وقوى الأمن والجيش، وستكون حكومة دياب أمام لغم كبير يُضاف إلى غياب عامل الثقة الشعبي وعدم قدرتها على الإنجاز في ظل ذهنية القوى الشريكة في الحكومة، ومن هنا على الرئيس المكلف ان يكون حازماً في الفصل بين الواقعين المالي والأمني وتشكيل مظلة حماية سياسية تحديداً لعثمان وجوزف عون، وإلّا فإنّ البلاد سوف تنزلق الى مزيد من عدم الاستقرار، خصوصاً انّ الاستقرار المالي سقط ولم يعد من ضامن للاستقرار سوى المؤسسات العسكرية والأمنية، فحذار اللعب بالنار لأنّ البلاد تقف فعلاً هذه المرة على «صوص ونقطة».