نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا لمراسلتها في بيروت تشولي كورنيش، تقول فيه إن العراق يدخل مستقبلا غامضا في وقت تهدد فيه المليشيات الشيعية الموالية لإيران بالانتقام لواحد من قادتها الذي اغتالته الولايات المتحدة إلى جانب قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، يوم 3 كانون الثاني/ يناير. 

 

ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن أبا مهدي المهندس كان من أقوى قادة المليشيات في العراق، وأدى مقتله مع سليماني إلى وضع الولايات المتحدة وإيران على حافة الحرب، لافتا إلى أن أحدا لم يلتفت للمقاتل البالغ من العمر 66 عاما في أثناء التهديدات المتبادلة بين البلدين، مع أنه كان شوكة في خاصرة الولايات المتحدة منذ وقت طويل.

 

وتقول كورنيش إنه مع سكون العاصفة على الجولة الأولى من الانتقام الإيراني، فإن المسؤولين العراقيين والخبراء الغربيين يحذرون من أن قتل المهندس، وإن أضعف التأثير الإيراني في العراق، إلا أنه فتح الباب أمام عنف وعمليات انتقامية تستهدف المصالح الأمريكية. 

 

وتلفت الصحيفة إلى أن إيران استطاعت زيادة تأثيرها عبر المهندس، الذي ولد في البصرة، وقاد كتائب حزب الله، التي كانت أداة لانتشار النفوذ الإيراني في العراق خلال العقد الماضي، وعين في عام 2017 نائبا لقائد الحشد الشعبي، وهي مظلة من الجماعات الشيعية التي تجمعت لمواجهة خطر تنظيم الدولة، الذي سيطر على مناطق واسعة من العراق في عام 2014. 

 

ويفيد التقرير بأن لدى الحشد الآن حوالي 140 ألف مقاتل يتلقون رواتبهم من الحكومة، ولديه كتلة في البرلمان العراقي، وهي كتلة الفتح، مستدركا بأن عصب قوات الحشد يظل الجماعات الشيعية التي دربتها إيران وجربتها في حروبها المتعددة، خاصة في مواجهة الأمريكيين بعد الغزو عام 2003، وأطلق أفرادها على أنفسهم "جماعات المقاومة"، ويقول مسؤول عراقي بارز إن المهندس هو الذي نظم معسكر المقاومة الذي يضم الجماعات الموالية لإيران.

 

وتلفت الكاتبة إلى أن وفاة المهندس فتحت الباب أمام معركة الخلافة بين عدد من قادة الحشد الشعبي، الذين لدى كل واحد منهم أجندة سياسية مختلفة، ويضمون الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، وزعيم جماعة عصائب أهل الحق المرتبطة بإيران، قيس الخزعلي، وزعيم كتلة الفتح هادي العامري. 

 

وتنقل الصحيفة عن المتحدث باسم جماعة شيعية خاضعة لتأثير المهندس، نصر الشمري، قوله إنه لم يتم بعد اتخاذ قرار من سيحل محله، وأضاف: "المقاومة والحشد الشعبي ليست لديهم عشرات الرجال بل المئات ممن يستطيعون تولي المنصب". 

 

ويستدرك التقرير بأن ما يجمع قادة المليشيات هو هدف واحد: الانتقام لمقتل المهندس، وتحقيق هدفه الطويل الذي كان يسعى إليه، وهو طرد القوات الأمريكية من العراق. 

 

وتبين كورنيش أنه على المستوى السياسي فإن مقتل المهندس أدى إلى تأجيج مشاعر السياسيين الإسلاميين الشيعة، ودفعوا بقرار في البرلمان يدعو الحكومة إلى إخراج القوات الأمريكية من البلاد، مشيرة إلى أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، قال في حديث ألقاه في جامعة ستانفورد، إنه أجرى خلال الأيام العشرة الماضية حوالي 50 مكالمة مع القادة العراقيين لتعزيز الموقف الأمريكي في البلاد. 

 

وتورد الصحيفة نقلا عن مسؤولين أمريكيين حاليين وسابقين، قولهم إن مقتل المهندس قد يكون إيجابيا، مع أن الأدلة التي ظهرت تشير إلى أنه لم يكن الهدف الرئيسي للغارة الأمريكية. 

 

وينقل التقرير عن مسؤول أمريكي، قوله إن مقتل المهندس "كان مفاجأة لكنها جيدة"، ونظر إليه على أنه بمثابة الذراع الأيمن لسليماني في العراق، وصنفت أمريكا جماعته في قائمة الجماعات الإرهابية، وفي عام 2009 صنفته إرهابيا بتهمة تنفيذ هجمات ضد القوات الأمريكية المحتلة للعراق، وحكمت عليه الكويت غيابيا بتهمة تفجير السفارة الأمريكية في الكويت عام 1983 ومنشآت حيوية أخرى في البلاد.  

 

وتنوه الكاتبة إلى أن بعض الخبراء يرون أن مقتله يعد فرصة جيدة لتخفيف حدة التأثير الإيراني على المليشيات الشيعية، مشيرة إلى قول مايكل نايتس من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى "لم تعد لديهم عقلية منظمة الآن". 

 

وتبين الصحيفة أنه في ظل غياب الرجلين القويين فإن العراقيين يخشون العودة إلى الاقتتال الداخلي والدموي بين الجماعات الشيعية الذي أعقب الغزو، وهي الحروب التي قتلت المدنيين، وأثرت على استقرار الجنوب الغني بالنفط، مشيرة إلى أن آخرين يقولون إن المهندس كانت لديه القدرة على الحد من المشاعر المتطرفة والمعادية لأمريكا في داخل المليشيات. 

 

ويورد التقرير نقلا عن مسؤول أمريكي سابق، قوله إن المهندس وسليماني "عملا محرضين على الهجمات وكابحين في الوقت ذاته للهجمات بحسب الطريقة التي كانا يريدانها"، مشيرا إلى تراجع الهجمات ضد الأمريكيين بعد انسحاب قواتهما عام 2011 وتوقفها في الفترة ما بين 2014- 2017 أثناء الحرب ضد تنظيم الدولة.

 

وتشير الكاتبة إلى أن مسؤولا عراقيا بارزا يرى أن الضعف في قيادة الحشد الشعبي قد يعطي جماعات خارجة من داخله فرصة لشن هجمات ضد الأمريكيين، ويتوقع "خلافات وتنافسا وغموضا وعدم وضوح في عملية اتخاذ القرار" بعد مقتل المهندس. 

 

وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن ملامح الخلافات داخل الحشد الشعبي ظهرت حتى قبل مقتله، خاصة في الطريقة التي ردت فيها المليشيات الشيعية على الاحتجاجات الجماهيرية ضد الفساد والمطالبة بالتغيير، ففي الوقت الذي حاولت فيه جماعات التحرش بالمتظاهرين واتهمت بالاعتداء عليهم، عبرت أخرى عن دعمها وتقديمها الحماية لهم.