إن خطورة الشغب السياسي هي أخطر بكثير من الشغب الشعبي الذي لم يكن ليحصل لولا وجود الشغب السلطوي المتصل بالفساد والسرقة والنهب، وما يحصل اليوم في التشكيل والتأليف هو شغب آخر وسرقة موصوفة لإرادة الثورة واللبنانيين والإلتفاف على مطالبهم وثورتهم.
 

بين الشغب ومكافحة الشغب حبس اللبنانيون أنفاسهم لعدة أيام مضت، منذ ما قبل ليلة المصارف في الحمرا حتى اليوم، وكان المشهد الشعبي أكثر حدة منذ انطلاقة الإنتفاضة الشعبية، صوّره البعض بأعمال الشغب دون التطلع إلى مسبباته المتصلة بمطالب الناس وحقوقهم وإهمال السلطة ولا مبالاتها.
ذهب بعض الثوار أيضا إلى التنصل مما حصل في الحمرا ضد المصارف وهربوا من التداعيات باعتبار أن الثوار ملتزمون بسلميتهم وحضاريتهم فانهالت الإتهامات على ثوار ليلة المصارف بل ذهب البعض إلى أكثر من ذلك وأخطر وهو الدفاع عن المصارف التي كانت منذ أسابيع هدفا أساسيا لكل أطياف الثورة.

الإعلام وزبانية السلطة وأجهزتها وأقطابها وأصحابها خرجوا بهذا المشهد فاتجهت الأنظار إلى تكريس نظرية "الشغب" من جهة، وإلى تحديد هوية المشاركين في الإحتجاجات على المصارف من جهة ثانية باعتبارهم من "الثنائي الشيعي" فتبرأ منهم الثوار وهكذا انتصرت السلطة على الثورة مجددا وذهبت النقاشات بين الثوار أنفسهم  إلى مؤيد ومعارض بل إلى الدفاع عن المصارف التي كانت هدفا منذ بداية التحرك.

وهذا بالطبع ما تريده السلطة وأحزابها، وقد وقعت الإنتفاضة في الفخ وحيّدت نفسها عن ليلة المصارف بمجرد دخول مجموعات أخرى لا يريدها البعض أن تكون لأن من بين الثوار أيضا من يوزع شهادات حسن سلوك على مزاجية أهدافه وتطلعاته، فكان ثوار الحمرا مشاغبون حتى في نظر الثوار أنفسهم الأمر الذي يهدد هذه الثورة وأهدافها.

أرادت السلطة ذلك وانتصرت فيما كان المطلوب أن تجدد الثورة ذاتها وأن تكون عامل استقطاب لكل مواطن موجوع مهما كان انتماءه ومهما كانت طائفته وأن تفهم جيدا أن الشغب جزء من الثورة، الشغب بمعنى التضحية والثبات والعناد والوعي لتحقيق المطالب والحرص على إظهار شغب السلطة بفسادها السياسي والمالي وإهمالها لكل الآلام وليس آخرها تزيع الحصص والمغانم في حكومة من المفترض أن تتشكل بأولوية معالجة الأزمة وتحقيق المطالب فيما تذهب السلطة وأزلامها وأحزابها إلى توزيع الحصص الحزبية والطائفية وهذا هو الشغب الذي يجب أن يظهر وهذا هو الشغب الذي يجب أن تحاربه الثورة وتستعد لتداعياته.

من الحمرا وبيروت إلى كل لبنان ذهبت وقعت بعض المجموعات بطائفيتها وكنا أمام خطر الإنزلاق إلى لعبة قذرة أرادت السلطة أن تستمر لكن الثورة نجحت هنا في الإنقلاب على خيارات السلطة وحافظت على ثباتها وقدرتها على أهم عوامل نجاحها وهو نبذ الطائفية والمذهبية.

وبالنظر إلى شغب الشارع وشغب السلطة فإن الأخطر والأدهى هو شغب السلطة وسياساتها وإهمالها، الشغب الذي يدفع اللبنانيون ضريبته اليوم بالإنهيار الشامل على كل صعيد وهو الشغب الذي يجب مواجهته فتكون الثورة أمام هدف حقيقي وأساسي وهو مكافحة شغب السلطة بكل أقطابها وأحزابها ومكوناتها وزعاماتها.

إن خطورة الشغب السياسي هي أخطر بكثير من الشغب الشعبي الذي لم يكن ليحصل لولا وجود الشغب السلطوي المتصل بالفساد والسرقة والنهب، وما يحصل اليوم في التشكيل والتأليف هو شغب آخر وسرقة موصوفة لإرادة الثورة واللبنانيين والإلتفاف على مطالبهم وثورتهم.