لا يسعنا إلا الترحيب بأي جائع وغاضب من أي مشرب سياسي قادم حتى وإن اختلفنا معه سياسيا فثورة 17 تشرين تتسع لكل الجوعى على عكس 14 و 8 .
 

بعيدا عن التفاصيل التي أدت بالأمس إلى ما أدت إليه من أعمال شغب وتكسير لواجهات المصارف في شارع الحمرا، من مجموعات شبابية كانت متواجدة أمام مصرف لبنان وعملت القوى الامنية إلى أبعادهم داخل الشارع تحت الهراوات وغيوم القنابل المسيلة للدموع، فحدثت ردت الفعل الطبيعية من هؤلاء على المصارف الموجودة في المحلة والتي لم تكن ضمن خطتهم لولا أن حدث ما حدث.

 

بعيدا عن هذه التفاصيل، كان لافتا جدا ردات الفعل السلبية من كثيرين ممن يحسبون أنفسهم على ثورة 17 تشرين، وسيل من الانتقادات السلبية المقيتة التي سيقت على هؤلاء وفعلتهم التي اتسمت بشيء من العنفية، فقط لأن بعضهم أعلن من على الشاشات عن انتمائهم السياسي وميولهم للثنائي الشيعي، وكأن هذا الجمهور "الشيعي" لا يجوع ولا يعطش ولا يعاني ولا يتسمم ولا يفقر ولم يخسر مدخراته بالمصارف ولا يعنيه ما يجري بالبلد !!

 

 وهذا طبعا امر غير صحيح.. فيصيبهم ما يصيبنا ويعانون ما نعاني ومن الطبيعي جدا أن ينتفضوا لكرامتهم وضد من يفقرهم.

 

صحيح أيضا أن هذا الجمهور الغاضب، يختلف معنا عن زاوية تشخيص الازمة، وأنه لا يزال يعتقد بإمكانية التفريق بين "رياض سلامة" مثلا وبين من يقف وراء الرجل ويدعمه ويجدد له، إلا أن هذا لا يمنع البتة من القول بصوابية غضبهم وصبه مرحليا على السبب المباشر لأزمتهم.

 

أخشى ما أخشاه هنا هو أن كثيرون من "الثوار" لا زالوا يعيشون في لا وعيهم حقبة 2005 وما انتجته من "ثورة الارز" وبعدها قوى سميت يومها ب 14 أذار، هذه القوى التي باعت الثورة وباعت غضب الناس في دهاليز مصالحهم الحزبية والشخصية ويسعون إلى تجديد حياتهم السياسية بالركوب مرة جديدة على أوجاع الناس،ولكن هذه المرة عبر تحويل 17 تشرين الى 14 أذار جديدة، وبالتالي يمكن أن نفهم هذا الاستنكار والتفجع على وجود جمهور شيعي بالشارع باعتبار أن هذا الجمهور لا مكان له في ال "14 اذار" الجديدة !! 

 

ومن هنا ايضا، أستطيع القول، بأن أهم ما حصل بالأمس في شارع الحمرا، هو وضع حد فاصل ونهائي بين 14 اذار و 17 تشرين،
فإن كان ثوار النبطية وصور وكفرمان وبعلبك الهرمل وباقي المناطق الشيعية قد ساهموا بشكل كبير بهذا التحول، فإن من أهم إيجابيات  أحداث شارع الحمرا وانضمام بعض جمهور الثنائي الشيعي الغاضب  الى الشارع أنه دفن الى غير رجعة أحلام بعض الاذاريين القدامى، وعليهم أن ينتظروا الكثير من هذه المشاهد في الايام القادمة، ويجب أن يفهموا أن الانقسام هذه الايام هو انقسام معيشي حياتي وليس انقساما سياسيا وهذا ما سوف يساهم في تفعيل الثورة، ولو على حساب أوهامهم المفترضة .

 

في الختام لا يسعنا إلا الترحيب بأي جائع وغاضب من أي مشرب سياسي قادم حتى وإن اختلفنا معه سياسيا فثورة 17 تشرين تتسع لكل الجوعى على عكس 14 و 8 .