نشرت مجلة "فورين بوليسي" تقريرا، تقول فيه إن محاولات الجمهورية الإسلامية الإيرانية تصوير نفسها ضحية للعدوان الأمريكي بعد مقتل أهم قادتها، وهو قاسم سليماني، تحولت إلى كارثة علاقات عامة.  
 
 
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الكارثة الإيرانية نبعت من آلاف المتظاهرين الذين تدفقوا إلى الشوارع احتجاجا على أكاذيب حكومتهم، فبعد 3 أيام من النفي أعلنت الحكومة مسؤوليتها عن إطلاق صاروخ أرض- جو الذي أدى إلى إسقاط الطائرة الأوكرانية وقتل مسافريها الـ176، وبينهم إيرانيون وكنديون وسويديون وألمان. 
 
 
وتفيد المجلة بأن الاعتراف جاء بعدما اكتشف محققون أوكرانيون آثار الصاروخ على حطام الطائرة بشكل قوض رواية الإيرانيين، مشيرة إلى أن المسؤولين الإيرانيين يقولون إن الخطأ حدث بسبب حالة التأهب القصوى بعد الهجمات الانتقامية التي قامت بها إيران ضد قاعدتين عسكريتين في العراق الأسبوع الماضي. 
 
 
ويستدرك التقرير بأن الاعتراف هو آخر سوء تمثيل للحكومة الإيرانية، حيث استغل الرئيس دونالد ترامب، وشجع المتظاهرين، وحذر طهران من ممارسة القمع ضدهم، وأرسل ترامب، الذي أمر في الثاني من كانون الثاني/ يناير بقتل سليماني، رسالة صيغت بعناية وباللغة الفارسية عبر "توتير" قال فيها: "لقادة إيران، لا تقتلوا المتظاهرين في بلادكم، فقد قتلتم وسجنتم الآلاف والعالم يراقب، والأهم هو أن الولايات المتحدة تراقب، وأعيدوا الإنترنت واسمحوا للصحافيين للتحرك بحرية". 
 
 
وتلفت المجلة إلى أن المراقبين يرون أن التظاهرات العفوية تعد تحديا قاتلا لقادة النظام الذي كان قادرا على سحق تظاهرات سابقة، مشيرة إلى أن مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون كتب تغريدة، يقول فيها: "تغيير النظام أصبح قريبا"، إلا أن الآخرين حذروا قائلين إن سياسات إدارة ترامب ليس لديها إلا حظ قليل من النجاح في قلب النظام الإيراني. 
 
 
وينقل التقرير عن حسين إبيش، من معهد دول الخليج العربية، قوله: "لن يحدث" أي تغيير للنظام، وأضاف أن إدارة ترامب حققت ما لم تحققه أي إدارة من قبلها، من خلال ممارسة أقصى ضغط وبناء استراتيجية ردع، وأضرت بشكل كبير باقتصاد إيران، لكنه أشار إلى أن التاريخ فيه أمثلة قليلة عن تغيير للنظام بسبب الضغوط الخارجية دون أن ترفق بقوة عسكرية. وأشار إلى أن هذه السياسات قوت أنظمة من نظام فيدل كاسترو إلى نظام كيم جونغ- أون في كوريا الشمالية. 
 
 
وتشير المجلة إلى أن التظاهرات الغاضبة هي على طرف النقيض من المشاعر الحزينة التي عبر عنها الإيرانيون بعد مقتل سليماني، ففي عدة جامعات إيرانية هتف المتظاهرون قائلين: "سليماني قاتل والقائد خائن" و"الموت للديكتاتور"، في إشارة إلى المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، ودعا بعض المتظاهرين إلى عزل المسؤولين الأمنيين المتورطين في الخطأ الذي أدى إلى سقوط الطائرة ومن حاولوا التستر عليه. 
 
 
ويجد التقرير أن من المفارقة أن النظام قام بترتيب جنازة شعبية، لكن أشرطة فيديو أظهرت طلابا في جامعة بهشتي وهم يحاولون تجنب الدوس على الأعلام الأمريكية والإسرائيلية التي وضعها المسؤولون الإيرانيون على الأرض، مشيرا إلى أن الحكومة تلقت ضربة علاقات عامة عندما أعلنت البطلة الأولمبية كيميا علي زادة الهروب من إيران، قائلة إنها لا تريد أن تكون متواطئة مع "فساد وأكاذيب" النظام. 
 
 
وتلفت المجلة إلى أن التظاهرات الأخيرة لم تقتصر فقط على الطلاب، بل الطبقة المتوسطة مقارنة مع احتجاجات الطبقة العاملة التي خرج أبناؤها إلى الشوارع العام الماضي.  
 
 
ويجد التقرير أن تظاهرات نهاية الأسبوع هي نذير شر عما سيأتي، خاصة أن الطلاب الإيرانيين أدوا تاريخيا دورا مهما بصفتهم طليعة للتغيير، لافتا إلى أن التظاهرات الجديدة جاءت بعد موجات من التظاهرات التي شهدتها البلاد احتجاجا على الظروف الاقتصادية الناجمة عن الضغوط الأمريكية والعقوبات التي فرضت عليها بعد خروج واشنطن العام الماضي من اتفاقية عام 2015 النووية، وردت طهران بالعودة لتخصيب اليورانيوم، وهو ما جعل عددا من الدول الأوروبية أكثر استعدادا لقتل الاتفاقية. 
 
 
وترى المجلة أن خروج المتظاهرين أثر على جهود وزير الخارجية محمد جواد ظريف في التقرب من الدول الأوروبية وتقديم إيران بأنها ضحية للتهور الأمريكي، مشيرة إلى أن من الأخطاء الأخرى التي أثرت على حملة العلاقات العامة الإيرانية هي احتجاز السفير البريطاني المؤقت في طهران بعد مشاركته في تظاهرة صامتة لإحياء ذكرى القتلى في الطائرة.
 
 
وينقل التقرير عن نائب وزير الخارجية عباس عراقجي، قوله مدافعا عن قرار بلاده: "لم يتم احتجازه، لكن تم اعتقاله بصفته أجنبيا لم يتم التعرف من هويته في تجمع غير قانوني، وعندما أخبرني شخص باعتقال شخص يقول إنه سفير قلت مستحيل، وبعد محادثتي معه على الهاتف عرفت أنه هو، ولم يقتض الأمر سوى 15 دقيقة وتم الإفراج عنه". 
 
 
وتنوه المجلة إلى أن المسؤولين الإيرانيين انشغلوا بعد اعتراف حكومتهم بالمسؤولية عن إسقاط الطائرة، وقام العسكريون والسياسيون طوال يوم السبت بتقديم اعتذارات عبر "تويتر"، على تأكيدهم السابق بأن الطائرة سقطت بسبب عطل فني. 
 
 
ويذكر التقرير أن سفير طهران في لندن حامد بقي الدين نجاد أكد أن من المستحيل أن تكون حكومة بلاده مسؤولة عن إسقاط الطائرة، وقال بعد تأكيده في بيان عدم مسؤولية بلاده عن العملية، عبر "تويتر": "أعتذر وأعبر عن ندمي لنشري معلومات غير صحيحة في ذلك الوقت".
 
 
وتفيد المجلة بأن الدبلوماسيين الإيرانيين، ومنهم السفير في لندن، حاولوا حماية الحكومة الإيرانية، قائلين إن الحرس الثوري لم يصدر قراره بالمسؤولية إلا يوم الجمعة، حيث تمسكت طهران قبلها بعدم المسؤولية عن الحادث، لكن ذلك لم يكن كافيا، خاصة بعد خروج المتظاهرين إلى الشوارع، الذين حملوا بلادهم المسؤولية وليس أمريكا، خاصة بعد كذبة أخرى قالت فيها إن الصواريخ الإيرانية قتلت 80 جنديا أمريكيا، في الوقت الذي لم تصب فيه الصواريخ التي أطلقت على قاعدتين في العراق أحدا، ولم تكن فعالة، وأثرت في النهاية على مصداقية إيران. 
 
 
ويستدرك التقرير بأنه رغم نفي إدارة ترامب سعيها لتغيير النظام في إيران، إلا أن تغريداته تشير إلى أمر آخر، حيث شجع المتظاهرين، وجاءت بعد تهديده بمسح المشاهد الثقافية الإيرانية، وقال في تغريدة: "للشعب الإيراني المضطهد والشجاع: وقفت معكم منذ بداية رئاستي وستظل حكومتي معكم، ونحن نراقب احتجاجاتكم عن كثب وشجاعتكم ملهمة". 
 
 
وتقول المجلة إن السؤال هو عن الكيفية التي ستزاوج فيها أمريكا بين خطابها الداعم للشعب الإيراني، في وقت تواصل فيه فرض عقوبات على حكومته، وكان آخرها فرض عقوبات على قطاعات صناعية مثل الحديد. 
 
 
ويفيد التقرير بأن خبيرا يرى أن الضرر الأكبر الذي يعاني منه الإيرانيون نابع من العقوبات التي تضعف الاقتصاد، فيما يرى دعاة ممارسة الضغط أن زيادة العقوبات ستؤدي إلى تصدعات بين النظام والشعب تسرع من نهاية الحكم الديني. 
 
 
وتختم "فورين بوليسي" تقريرها بالإشارة إلى أن أنصار ترامب في الكونغرس رحبوا بالتظاهرات التي رأوا فيها تأكيدا لصحة قراره بقتل سليماني.