وكأن لا ثورة ولا من يثورون، عادت القوى السياسية بملف تشكيل الحكومة، الى النقطة الصفر. التفاهم مع الرئيس الذي كلفته غالبيةٌ نيابية من لون سياسي واحد، مهمةَ التأليف، تعذّر في مفارقة مضحكة مبكية. فقررت هذه الاكثرية ببساطة، بعد نحو شهرين من تسميتها حسان دياب، التخلي عنه!
 
 
لم تكتف أحزاب السلطة بهذا الاداء. بل عادت الى تكثيف الاتصالات في ما بينها، في العلن وخلف الكواليس، لرسم سيناريو آخر، يناسب مصالحها، للمرحلة المقبلة. في هذه الخانة، يمكن وضع اللقاء الذي جمع اليوم في عين التينة رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل، وذلك الذي ضمّ امس بري ورئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط في مقر الرئاسة الثانية ايضا.
 
بحسب ما تقول مصادر سياسية مراقبة لـ"المركزية"، فإن احزاب السلطة كلّها، سواء كانت ممن سمت دياب او لم تفعل، قررت رص الصفوف مجددا. أما خريطة الطريق التي وضعتها لمواجهة الانتفاضة والالتفاف عليها، فغير واضحة المعالم بعد. الا ان ما رشح منها حتى الساعة، يوحي بأن ثمة توجّها للضغط نحو تفعيل نشاط حكومة تصريف الاعمال، كبدل عن "التأليف" الضائع.
 
لكن الرئيس المستقيل سعد الحريري، العائد اليوم الى بيروت، قد لا يكون في وارد التجاوب مع هذا الخيار، وتبقى معرفة قدرته على تحمّل الضغوط التي ستمارس عليه لدعوة حكومته الى الاجتماع من جديد، خاصة بعد ان أجمع الرئيس بري وجنبلاط على اولوية هذا التوجه وأهميته، وقد رأى جنبلاط امس ان "لا بد من الحد الأدنى لتصريف الأعمال، فتصريف الأعمال بأهمية وجود الحكومة. هذا هو رأيي الليلة، وإذا ما عاد الرئيس الحريري وأتمنى أن يعود، فلا بد بالحد الأدنى من الإنضباط في تصريف الأعمال، ولاحقاً نرى كيف تشكل حكومة جديدة".
 
واذا كان هذا الاداء "المستخفّ" بوجع الشعب المنتفض، وفق المصادر، ردّ عليه الثوار بتصعيد تحركاتهم على الارض في شكل غير مسبوق صباح اليوم، فإن ما صبّ وسيصب مزيدا من الزيت على نار الثورة، هو اصرار القوى السياسية على "إنكار" وجود ثورة حقيقية نابعة من وجع ومعاناة، والذي تجلي في خطاب رئيس الجمهورية العماد ميشال عون  اليوم امام السلك الدبلوماسي، وإصرارُ هذه القوى ايضا على التدخل في عملية التأليف واختيار وزرائها، مديرة ظهرها لصرخات الشعب المنادية بحكومة مستقلين. فبعد ان عُلم ان القوى التي سمّت دياب سلّمته اسماءها للتوزير في الايام الماضية، أكد جنبلاط ان حزبه، الذي لطالما تحدث عن تفضيله البقاء في المعارضة، هو الآخر، اقترح وزراء!
 
وليكتمل المشهد، تحدث زعيم المختارة عن دور للنائب اللواء جميل السيد في التأليف، مشيرا الى ان "هناك أصولا في تشكيل الحكومات وهناك "فروع". وفي موقفه هذا، إنما فجّر، ببرودة، قنبلة سياسية من العيار الثقيل، خاصة وان اللواء السيد- الذي سارع الى نفي ما قاله جنبلاط معلنا "لا أعلم إذا كان ما ذكره قصة ذاكرة أم تحريفًا للواقع، فأنا تدخلت بينه وبين أرسلان بناء على طلبهما" - معروفٌ بارتباطاته وعلاقاته العابرة للحدود.
 
وذلك يدل، وفق المصادر، الى ان لا تدخلات داخلية فقط في عملية التأليف، بل ثمة تدخلات خارجية أيضا، في هذا الملف، تبدو القوى السياسية راضية وساكتة عنه!
 
وازاء هذا "التخبيص" في السياسة، المعطوف الى ازمة اقتصادية - معيشية مالية غير مسبوقة، تفجرت الثورة من جديد اليوم، وأعلنته "أسبوع غضب" لا يبدو سينتهي قبل الوصول الى المطالب واولها حكومة اختصاصيين مستقلين تنقذ البلاد من الانهيار... والى ذلك الحين، هل مَن يجرؤ على لوم الناس اذا قطعوا الطرقات وحرقوا اطارات؟