ماذا لو علمتم بوجود مادة غذائية قادرة بمفردها على خفض خطر الوفاة مع مرور الوقت بنسبة 15 إلى 30 في المئة، وتقليص مستويات الكولسترول وضغط الدم، والمساهمة في الحفاظ على وزن صحّي، وتقليل احتمال معاناة السكري، وأمراض القلب، والسكتات الدماغية، وبعض أنواع السرطان؟
 

إستناداً إلى مراجعة أخيرة نُشرت في «The Lancet»، فإنّ تناول جرعة كافية من الألياف الغذائية يستطيع القيام بكلّ ذلك وأيضاً أكثر! وفي التفاصيل، فقد تمّ التدقيق في 185 دراسة و58 تجربة سريرية شملت أكثر من 4600 مشارك، وتبيّن وجود رابط واضح بين كمية الألياف المستهلكة والصحّة. فالأشخاص الذين حصلوا على 25 إلى 29 غ في اليوم تمتّعوا بمنافع أكبر، ولكن يُقترح أنّ بلوغ كميات أعلى من الألياف قد يولّد انعكاسات صحّية أكثر.

 

لكن لمَ الألياف تحديداً؟ وفق الطبيب الأميركي العالمي، د. أوز، فإنّ الألياف تُشير إلى الأطعمة النباتية غير المصنّعة التي تحتوي أيضاً على مواد فعّالة جداً مثل مضادات الأكسدة، والبروتينات النباتية عالية الجودة، والمغذيات النباتية. إنها متوافرة فقط في الأطعمة النباتية كالفاكهة، والخضار، والحبوب الكاملة، والمكسرات، والبذور، والأشخاص الذين يتناولون أكبر حصص منها هم بصحّة أفضل نتيجة لمحتواها العالي الجودة. فضلاً عن أنّ الألياف تضمن الشبع لوقت أطول، ما يساعد على استهلاك كمية طعام أقل وتفادي زيادة الوزن.

 

لكن هذا ليس كلّ شيء! فأثناء عبورها الجسم، تقوم الألياف بتغذية الميكروبيوم، وهو موطن لِما يصل إلى 30 تريليون كائن حيّ دقيق تُغذّي القولون، وتُزيل السموم، وتُنتج المغذيات، وتوازن الهورمونات، وتخفض الالتهاب، وتدعم الجهاز المناعي. أمّا في حال عدم تغذية الميكروبيوم بشكل صحيح، فإنّ البكتيريا الضارة تنمو، ما قد يؤدي إلى أمراض متنوّعة.

 

ولفت د. أوز إلى أنّ الألياف تكون إمّا قابلة أو غير قابلة للذوبان في المياه، بحيث أنّ الأولى تمنع الجسم من امتصاص الدهون والكولسترول بشكل كامل، ما يساعد على خفض مجموع الكولسترول السيّئ. كما أنها تساعد على هضم الطعام ببطء أكثر، وبالتالي ضمان استقرار مستويات السكر في الدم. أمّا النوع الثاني من الألياف فيضمن حركة أمعاء سليمة.

 

كمية الألياف في الغذاء

الجرعة الموصى بها يومياً عند البالغين 50 عاماً أو أقل هي 38 غ للرجال و25 غ للنساء. أمّا الرجال الذين تخطّوا 50 عاماً فعليهم محاولة بلوغ 30 غ من الألياف، في حين أنّ النساء فوق 50 عاماً عليهنّ توفير 21 غ. وإذا كنتم تستهلكون 15 غ من الألياف في اليوم، فإنّ مضاعفة الكمية قد تبدو شاقة، وأول ما يُنصح به هنا هو البدء ببطء بما أنّ إضافة الكثير من الألياف سريعاً قد تسبّب بعض الانعكاسات السلبية غير المرغوبة كالنفخة والغازات. أمّا عندما يعتاد الجسم عليها، فلا حاجة للتوقف عند 25 غ في اليوم. فقد توصّلت الدراسة المنشورة في «The Lancet» إلى ارتباط أعلى جرعة من الألياف بتحصين أفضل ضدّ أمراض القلب والأوعية الدموية، والسكري من النوع الثاني، وسرطان القولون. ولكن هذا لا يعني أنه يجب الاستعانة بالمكملات الغذائية لأنها تؤمّن الألياف من منتج نباتي واحد. إنها لن تزوّد الجسم بالمغذيات الموجودة في مصادر الألياف المتنوّعة. الأفضل الاكتفاء بتناول مكملات الألياف عند التعرّض للإمساك الذي يرمز إلى غذاء قليل الألياف. وعندما تساعد على التخلّص من بقايا الجسم، لا بدّ من الحرص على إضافة مزيد من الأطعمة الكاملة التي تكون مليئة بالألياف طبيعياً.

 

خطّة فعّالة لتعزيز الجرعة

عند البدء بإضافة مزيد من المأكولات النباتية غير المصنّعة، فإنّ بلوغ مجموع يتخطى 25 غ يومياً ليس صعباً كما يُعتقد، إنما يتطلّب ببساطة إدخال الخضار أو الفاكهة إلى كل وجبة غذائية. على سبيل المثال، يمكن للفطور أن يتألف من كوب من رقائق القمح الخالية من السكّر، مع الحليب، والقهوة أو الشاي، ونصف كوب من توت العليق لتأمين 10,1 غ من الألياف. أمّا الغداء فيكون عبارة عن ساندويش مؤلّف من شريحتين من خبز القمح الكامل 100 في المئة، ونصف كوب من الأفوكا، ونصف كوب من البندورة، وجبنة أو حبش، وموز لتوفير 12,9 غ من الألياف. وبالنسبة إلى السناك، فقد يكون عبارة عن أونصة من اللوز مع نصف كوب من المشمس المجفف للحصول على 8 غ من الألياف. في حين أنّ العشاء قد يتضمّن الدجاج مع كوب من البروكلي المشويّ، وثمرة متوسطة الحجم من البطاطا بقشرتها، وزبدة أو «Sour Cream»، وشريحة من فطيرة الكرز المُباعة في المتجر لضمان 10,1 غ من الألياف. ومن خلال هذه الطريقة، يكون الإنسان قد حصل على مجموع 41 غ من الألياف في اليوم. وعند بلوغ هذا المعدل، يُنصح بالاستمرار في استبدال أي طعام يفتقر إلى الألياف ببدائل نباتية كاملة لرفع كمية الألياف المستهلة يومياً.

 

ماذا عن الفاكهة؟

من المعلوم أنّ الفاكهة مليئة بالسكّر الذي يُعتبر سيّئاً للصحّة. غير أنّ المُذنب الفعلّي يرجع تحديداً إلى السكريات المُضافة. أمّا الفاكهة فهي تزوّد الجسم بجرعات ملحوظة من الألياف. الفارق هو أنه شكل طبيعي من السكّر يكون مُصاحباً مع مواد أخرى متوافرة في الفاكهة مثل الألياف، والكربوهيدرات المعقدة، والبروتينات، وحتى كميات ضئيلة من الدهون. أي مادة أخرى موجودة في الفريز أو التفاح تُبطئ هضم السكّر، ما يجعل الفاكهة الكاملة طعاماً صحّياً للغاية.

 

الحميات قليلة الكربوهيدرات

مثل الـ»Keto»، والـ»Paleo»، والـ»Atkins»... أصبحت شائعة جداً خلال الأعوام الأخيرة بدافع خسارة الوزن. الكربوهيدرات تأتي بـ3 أشكال رئيسة: السكريات، والنشويات، والألياف. وبما أنّ هذه الأخيرة هي نوع من الكربوهيدرات، فإنّ الحميات قليلة الكربوهيدرات قد تُصعّب أو حتى تجعل من المستحيل تناول كمية كافية لبلوغ المنافع المذكورة. وفي حين أنّ هذه الأنظمة تحدّ من مجموع الكربوهيدرات المستهلَك، إلّا أنها تسمح بتناول بعض الفاكهة والخضار وأيضاً المكسرات. لكن بالنسبة إلى الأشخاص الذين يريدون تعزيز كمية الألياف، فإنّ مثل هذه الحميات لن تُلبّي أهدافهم الصحّية. فخسارة الوزن، والسيطرة على معدل السكّر في الدم، والتمتع بالقوّة والنشاط... كلها تتحقق بشكل أفضل من خلال الأنظمة الغذائية المتوازنة والمتنوّعة والمرتكزة على المأكولات الكاملة والصحّية.