لبنان اليوم بحاجة إلى خطاب يتلائم واللحظة اللبنانية فقط، يتلاءم مع وجع اللبنانيين وحدهم وهمومهم وآلامهم وحزب الله يشكل اليوم وقبل عقود ركيزة أساسية في النظام اللبناني وفي السلطة السياسية والتنفيذية ما يحمله مسؤوليات عما حصل ويحصل اليوم بالذات ونحن أمام أزمة انهيار حقيقي شامل.
 

بين الهمّ اللبناني الكبير وهموم إيران ومحورها حدد الأمين العام لحزب الله في خطابه يوم أمس أولوياته وخياراته وكانت كلها باتجاه المصلحة الإيرانية في مقارعة الوجود الأميركي في المنطقة، كان خطاب اللحظة الإيرانية بإمتياز، خطاب الداخل الإيراني وخارجه، خطاب الرد الإيراني من خارج الحدود الايرانية، وبتوصيف جديد أن المنطقة أمام مرحلة جديدة يريدها السيد نصر الله مرحلة مواجهة انسجاما مع متطلبات البقاء والاستمرار، باعتبار أن التوتر القائم وما يليه من مواجهات وحروب في المنطقة هو حاجة فعلية تضمن الإستمرارية والبقاء.

 

يرى السيد نصر الله أن اغتيال قاسم سليماني فرصة جديدة لما يريده فذهب أبعد من الإيرانيين أنفسهم في تفصيل وتركيب المنطقة إلى ما قبل وما بعد اغتيال سليماني وكانت التوجيهات واضحة للعراقيين والأكراد والفصائل الفلسطينية والبيئة الشعبية في لبنان (حضور الإستشهاديين وجهوزيتهم) بأن الأولويات اليوم هي دحر المشروع الأميركي في المنطقة.

 

هذا الخطاب ربما يتناسب مع لحظة الإنفعال العاطفي ويتناسب أكثر مع اللحظة الشعبية، ومع إرادة البقاء والاستمرار، إلا أنه قد لا يتناسب مع ما رسمته معادلة اغتيال قاسم سليماني في السياسة وكذلك معادلة الرد الإيراني وحجمه وطبيعته وما سبقه وما تلاه، ولذا فإننا أمام واقع جديد أو خطاب جديد لا يريده السيد حسن نصر الله، هو خطاب الواقع والمتغيرات، خطاب الإتزان السياسي، خطاب اللا حرب إلا الحرب الاقتصادية، وهذه حقيقة يعرفها الآن الايرانيون جيدا.

 

ولكن السيد ذهب بعيدا في الخطاب والممارسة وما الحديث عن الاستشهاديين والمسار الطويل للمواجهة إلا مكابرة تتناسب مع اللحظة وربما مكابرة لا تريدها إيران نفسها، إيران التي اكتفت بما حصل وذهبت إلى اهتمامات أخرى تتعلق أولا وأخيرا بالوضع الاقتصادي.

 

إقرأ أيضًا: دولة خربانة وحكومة ضايعة

 

بينما تنصرف إيران إلى لملمة الأزمة وتداعياتها وتحاول تجنيب النظام والشعب أي تبعات يريد السيد نصر الله اللبناني وبخطاب لبناني أن يكون إيرانيا أكثر، فألغى لبنان وما يحصل في لبنان من خطابه في لحظة مصيرية وفي مرحلة تعتبر من أشد المراحل حساسية وخطورة في تاريخ لبنان.

 

لبنان اليوم بحاجة إلى قيادييه وزعمائه، بحاجة إلى لبنانيتهم وولائهم أكثر من أي وقت مضى، لبنان اليوم بحاجة إلى خطاب يتلائم واللحظة اللبنانية فقط، يتلاءم مع وجع اللبنانيين وحدهم وهمومهم وآلامهم وحزب الله يشكل اليوم وقبل عقود ركيزة أساسية في النظام اللبناني وفي السلطة السياسية والتنفيذية ما يحمله مسؤوليات عما حصل ويحصل اليوم بالذات ونحن أمام أزمة انهيار حقيقي شامل.

 

نريد خطابا لبنانيا موازيا لمدى الإهتمام بالأزمة الإيرانية، خطابا لبنانيا يتلاءم مع أزمتنا الحالية كلبنانيين، يتلاءم مع وجع اللبنانيين ومعاناتهم ومحنتهم، نريد خطابا لبنانيا يستعيد الدولة والنظام، ويستعيد المؤسسات، يستعيد الحكومة من بازار المحاصصات والمناكفات، ينهي الفراغ ويؤسس لمرحلة جديدة، مرحلة استعادة الدولة والوطن وتحقيق المطالب الشعبية.

 

ليكن السيد وغير السيد في السياسة ما يريد أن يكون، سعوديا، إيرانيا، سوريا، تركيا، ماليزيا هذا شأنه، لكنه اليوم وأكثر من أي وقت مضى يجب أن يكون لبنانيا أكثر من أي وقت مضى انسجاما مع تضحيات اللبنانيين، انسجاما مع أشرف الناس وأطهر الناس، انسجاما مع دماء الشهداء وأهاليهم وذويهم، ماذا سيبقى يا سيد لو انهارت كل هذه المنظومة الشعبية التي يتغني بها دائما حزب الله كبيئة مقاومة ومضحية ونعرف اليوم حجم الإنهيار الحاصل في البلد؟