كثر الكلام ضد الرئيس احمدي نجاد قبيل نهاية ولايته الثانية وعدم كفاءته لهذا المنصب واصبح اقرب اصدقائه قبل رئاسته وبدايتها، الآن الدّ أعدائه. تقريبا كل الذين كانوا يبارون بمدحه واظهار تقربهم منه ودورهم في فوزه اصبحوا فيما بعد نادمين وبل معادين له والآن يتحدثون بقسوة ضده وأحد هؤلاء، حسين شريعتمداري رئيس تحرير صحيفة كيهان الذي كان يموت من اجل نجاد والآن لا يرضى بحياته ويشن هجوما شبه يومي عليه من خلال عموده في صحيفة كيهان ويصف كلام الرئيس بانه لغو وناتج من عدم الفهم والادهى ان شقيق احمدي نجاد الذي كان المفتش الخاص له، استقال من منصبه منذ سنوات والتحق بمعارضيه ويعتبر الرئيس من المنحرفين على اعتبار وشهد شاهد من أهله.

 اذا وصل الامر الىأان يفر من المرء أخوه وصاحبه وصديقه بالامس فمن الجدير التساؤل عن الاسباب التي كانت وراء  صعود احمدي نجاد الى الحكم؟ يمكن القول بان هناك مجموعة من المتغيرات والعوامل والاسباب الداخلية والخارجية التي ساعدت نجاد في الفوز.

المتغيرات الخارجية:

رغم العداء وبل بحكم العداء السافر بين الولايات المتحدة الامريكية والجمهورية الاسلامية الايرانية، هناك انعكاس وتاثير واضح لانتخابات الرئاسية لكل منهما على الآخر. ويمكن القول بأن سياسة الغرب تجاه حكومة الاصلاحيين في عهد الرئيس خاتمي كان لها دور رئيسي في انتصار احمدي نجاد. كيف؟ تفاعل الديبلوماسية الايرانية في حكومة الاصلاحيين مع الولايات المتحدة الامريكية بعد احداث 11 ايلول خصوصا جراء احتلال افغانستان وحصلت ابتسامات ولقاءات بين الطرفين في افغانستان ادت الى التنسيق بينهما في مراحل مهمة ولكن الحصيلة كانت مخيبة للامل بالنسبة الى الراي العام الايراني. وأدى الامر الى جعل ايران ضمن محور الشرَ من قبل الولايات المتحدة وبدء القوى العالمية الكبرى تحت ضغط الولايات المتحدة، بعرقلة مسار ايران في مشروعها النووي. وهكذا اصبحت ديبلوماسية التفاعل- والتقاؤل- دون جدوى وظهرت في عيون الكثيرين داخل ايران، عديمة المصداقية، لانه لم يتفاعل جورج بوش مع خطاب الرئيس خاتمي الرامي الى السلم وحوار الحضارات والميال الى تطبيع العلاقات. أدت استراتيجية بوش إلى إقصاء ايران وسحب رصيدها، ذريعة للمحافظين الايرانيين لشن هجوم عنيف على الرئيس خاتمي والقاء اللوم عليه لما وصفوه الانسحاب امام الاعداء وعدم الشجاعة خصوصا في الملف النووي حيث جمدت ايران تخصيب اليورانيوم لمدة سنتين لتطمين الغرب. ورغم ان هذا التجميد تم بموافقة المرشد الاعلى، الا انه أصبح فيما بعد سنداً لاتهام الرئيس السابق بالخيانة من قبل المحافظين.

كلما ازدادت الولايات المتحدة في اظهار العداء بالنسبة الى ايران، ازدادت قوة الصقور في ايران وكان من الطبيعي ان يحاول الحرس الثوري إيصال اكثر المرشحين حدة وتشددا تجاه التهديدات الخارجية وهو لم يكن من بديل غير محمود احمدي نجاد، الذي لم كان عنده رؤية واضحة في الاقتصاد والادارة من قبل وابدى استعداده لعرض خطاب خلاصي طهوري جديد بمباركة المرشد ومعاضدة الحرس الثوري. وعليه يمكن القول بان الولايات المتحدة الامريكية سبب غير مباشر لتربع نجاد على سدة الحكم، بحكم تناسب الفعل ورد الفعل.

 الاسباب الداخلية:

 كثرة مرشحي الاصلاحيين في الانتخابات الرئاسية عام 2005 وانقسام اصوات الاصلاحيين الى ثلاثية رفسنجاني وكروبي ومعين، بينما في معسكر المحافظين حصل التركيز على نجاد ويخص المراقبون والخبراء بالذكر الحرس الثوري ويتهمونه بالدعم المباشرلاحمدي نجاد مستفيدا من طاقات الحرس الهائلة وشبكة عناصره الواسعة.

وليس معارضو احمدي نجاد وحدهم الذين يتهمون الحرس بالتدخل في الشؤون السياسية رغم الحظر القانوني والدستوري للمؤسسات العسكرية، بل اصبح احمدي نجاد، مستفيد الامس، الآن يتهم الحرس بالتدخل في شؤون لا يحق له التضلع فيها ويعيب للحرس هكذا تدخل.

ومن جانب آخر كان لدعم التيار المحافظ لاحمدي نجاد دور كبير في انتصاره في الولاية الاولى وحتى الثانية. وجد المحافظون ضالتهم في احمدي نجاد حيث ان الاخير عرض خطابا مضادا للاصلاحيين والتكنوقراطيين الذين حكموا ايام حكومة رفسنجاني وخاتمي على البلد. وفوق ذلك لا يمكن تجاهل دعم المرشد الاعلى لاحمدي نجاد الذي كان يظهر للمرشد كالعبد المطيع الذي لا يفعل الا ما يؤمر، الا ان السنوات الاخيرة اثبتت ان هذا كان وهماً واظهر نجاد في مواضيع عديدة معارضته السافرة للمرشد الولي الفقيه الذي كان الرئيس في بداية ولايته الاولى يعتبر طاعته واجبا شرعيا والتخلف عنه عصيانا على الله.

ورغم ان الادارة الامريكية تبدلت والذين ساهموا في اعتلاء نجاد وإقصاء التيار الاصلاحي، بدورهم اقصوا عن البيت الابيض الا ان الديمقراطيين ابدوا بانهم ليسوا اكثر مرونة من الجمهوريين والمواجهة بين ايران والولايات المتحدة ليست الآن، اقل حدة من 2005 بل اصبحت بفعل العقوبات والتهديد بضرب ايران، اكثر خطورة. هل تنتج هذه الاجواء الساخنة، احمدي نجاد آخرا، ام ستعيد ايران النظر في سلوكها ومواقفها ولا تأتي بنجاد آخر من اجل تخويف الآخرين وسوف تفضل الجلوس على طاولة المفاوضات؟ سيكون الاجابة على على هذه الاسئلة ، سهلة بعد اسابيع قليلة.