إن الذهاب إلى الاجندات الخارجية أو إلى ما يسمى بحكومة مواجهة تضع البلاد أمام مخاطر كبيرة أكثر، مخاطر لا يمكن البلاد تحملها بما هي عليه بل المطلوب أن تكون الأولوية لمعالجة الوضع الداخلي قبل الذهاب إلى أي خيارات أخرى ستزيد الطين بلة.
 
بعد مرور أكثر من عشرين يوما على تكليفه تشكيل الحكومة خرج بالأمس الرئيس المكلف حسان دياب في بيان مطول أكد فيه على استمراره بمساعيه ومشاوراته لتأليف الحكومة، ومعلنا أنه لن يعتذر وسيستمر بالعمل وفق الآلية التي جرى الإتفاق عليها منذ ما قبل تكليفه، مشيرا بشكل غير مباشر إلى بعض التدخلات في عملية التأليف.
وحرص دياب على دحض الشائعات حول اعتذاره وعلى إظهار تصميمه واستعداه لخوض التحديات التي اعتبرها مسؤوليته الوطنية.
وجاء بيان الرئيس المكلف بعد عشرين يوما على تكليفه ظهرت خلالها المزيد من التدخلات السياسية والحزبية في عملية التأليف علما أن الآلية التي أتت به رئيسا مكلفا تنص على حكومة إخصائيين بعيدا عن الأحزاب والتدخلات الحزبية وبعيدا عن المنظومة الحالية، أضف إلى ذلك ما فرضته الإنتفاضة الشعبية من خلال المطالبة بحكومة تكنوقراط بعيدا عن منظومة الفساد وتوابعها، حكومة يراد منها البدء الفوري بمعالجة الأوضاع المالية والإقتصادية والمعيشية المتردية.
 
وعلى مدى عشرين يوما من المشاورات والمناقشات ما تزال الحكومة ضائعة ولا يزال الرئيس المكلف يبحث عن مخارج ترضى الطبقة السياسية، بل ذهب النقاش اليوم ومع الأوضاع المستجدة على الصعيد الإقليمي بأن تكون الحكومة تكنوسياسية بحجة مواكبة التطورات الإقليمية والدولية الأمر الذي أعاد النقاش إلى نقطة الصفر لا سيما مع موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يشير بشكل غير مباشر إلى حكومة سياسية.
 
كانت السلطة السياسية الحالية بأحزابها وتكتلاتها ومنذ بدء الإنتفاضة تحاول الهروب إلى الأمام، وما زالت حتى اليوم وكأن المطالبة بحكومة أخصائيين تزعج البعض لدرجة يمكن القول أنها ستصيبهم فورا بمفاعيلها وتداعياتها، أو كأن الحل المطلوب للوضع المتردي القائم ليس في أولويات هذه السلطة وأهدافها.
 
إننا أمام مماطلة وتسويف جديدين وما يعبر عنه موقف الرئيس بري هو الذهاب من جديد إلى خيارات السلطة وإن التلطي خلف الاستحقاقات السياسية المستجدة على الصعيد الإقليمي والدولي هو ذر للرماد في العيون وهو حيلة لمصادرة جديدة لإرادة الإنتفاضة الشعبية.
 
إن المطلوب الإسراع بتشكيل الحكومة وتسهيل ولادتها بما يراعي المصلحة الوطنية أولا وبما يراعي مطالب الانتفاضة الشعبية التي ما زالت جاهزة للإنطلاق من جديد بل وتعدّ العدة لذلك بعد ملاحظة محاولات السلطة البائسة بابتزازها بالوضع السياسي المستجد في حين أن الوضع الداخلي يستدعي التحرك السريع كأولوية قبل الإنهيار الشامل.
 
إن الذهاب إلى الاجندات الخارجية أو إلى ما يسمى بحكومة مواجهة تضع البلاد أمام مخاطر كبيرة أكثر، مخاطر لا يمكن للبلاد تحملها بما هي عليه بل المطلوب أن تكون الأولوية لمعالجة الوضع الداخلي قبل الذهاب إلى أي خيارات أخرى ستزيد الطين بلة.
 
المطلوب اليوم لمّ شمل اللبنانيين فيما بينهم وتضافر جهودهم لإنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل الإنهيار الكبير.