استبعدت دوائر إيرانية مقربة من السلطة إيجاد بديل لقاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس والرجل الأول في الحرس الثوري، معتبرة أن غيابه سيترك فراغا كبيرا داخل النظام وأنه من الصعب على المرشد الأعلى علي خامنئي تعويضه كونه الرجل الأول الذي كان يعتمد عليه في تنفيذ مختلف الأجندات الداخلية والخارجية.
 
وأشارت هذه الدوائر إلى أن سليماني ليس فقط مجرد قائد ميداني نجح، إلى حد مقتله، في تنفيذ أوامر عليا ببناء ميليشيات حليفة في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولكنه كان يشبه ظل خامنئي في وضع استراتيجية إيران القائمة على زرع الفوضى في المنطقة وتوظيف تلك الفوضى في مفاوضة الأميركيين والإسرائيليين على المكاسب.
 
واعتبرت أن مقتل سليماني سينهي استراتيجية التمدد الإيراني في المنطقة لكونه أشرف على تفاصيل تنفيذها في أكثر من دولة، مثل لبنان، حيث روى سليماني في أكثر من شهادة دوره في حرب 2006 وعلاقته بحسن نصرالله أمين عام حزب الله، وعماد مغنية أحد أذرع الحزب الذي اغتالته إسرائيل في دمشق في 2008.

ويمسك سليماني بالملفات الخاصة بقادة الميليشيات في العراق منذ حرب الثمانينات بين الجارتين، وخلال فترة ما كان يعرف بالمعارضة العراقية التي كان أغلبها يتمركز في إيران ويتدرب هناك، فضلا عن معرفته الدقيقة بتفاصيل مرحلة غزو 2003 وما لحقها من “حرب أهلية تم الاشتغال عليها لفرض الأمر الواقع وتسليم العراق لوكلاء الجارة الشرقية”.

وفي تأكيد على الدور المحوري للقائد السابق لفيلق القدس، اعتبر الكاتب العراقي نبراس الكاظمي أن سليماني لم يكن مجرّد متلقٍ للأوامر، سواء أتت من المرشد الأعلى أو من التسلسل الهرمي للحرس الثوري الإيراني والمؤسسات الأخرى.

وأضاف الكاظمي في مقال بموقع “سنديكيشن بيورو” للرأي المتخصص بشؤون الشرق الأوسط “لقد كان سليماني يهندس ويصنع فرصا لخامنئي. وكانت طريقته في ذلك تمتاز بالارتجال وتحيّن الثغرات، أي أنها كانت تتسم برهانات ذات خطورة بالغة. في حين كان خامنئي يُمضي على مغامرات سليماني ويقدم لها الغطاء السياسي شبيها بدور ‘البنك’ في عرين المقامرين. كان الاثنان يعملان جنباً إلى جنب بمعزل عن أيّ مركز آخر من مراكز السلطة التابعة للنظام، واستطاعا أن يحققا الكثير سوية”.

وتتخوف إيران من أن يقود غياب سليماني المفاجئ إلى خسارة إمبراطورية الميليشيات التي بناها سليماني بسبب الكاريزما القوية، وحمله لأفكار الخميني واشتغاله في تكوين تلك الإمبراطورية ضمن سياق “تصدير الثورة” الذي كان محوريا في العقدين الأولين لثورة 1979.

لكن المثير في شخصية سليماني ليس فقط دوره الخارجي الذي نجح من خلاله في تكوين أذرع قوية في غزة ولبنان واليمن والعراق، وأخرى لم يتم الكشف عنها إلى الآن بانتظار اللحظة المواتية لإثارة الفوضى، أن الرجل أحد الفاعلين الرئيسيين في الصراع على السلطة والتحضير لما بعد خامنئي.

وتقول الأوساط الإيرانية إن خامنئي يعتمد على سليماني كذراع قوية في الداخل لإسكات المتنطعين من محيطه والحالمين بالسيطرة على جزء من النظام تحت مسوّغات ورتب دينية، ويمنعهم من معرفة الأسرار الخاصة بالمرحلة التي يجري الترتيب لها، وخاصة أسرار الثروة التي يجنيها المرشد الأعلى ومجالات إنفاقها والمهمات التي توجّه إليها، وهو ما وضع الرئيس السابق لفيلق القدس في مرمى غضب التيار المتشدد الذي يقوده رجال متنفذون ويتمركزون في مؤسسة تشخيص مصلحة النظام، وهم من سيكونون محددين في اختيار خليفة المرشد بوفاته.


ويعتقد الكاظمي أنه سليماني وخامنئي كانا يستعدان لاستثمار أرباحهما داخل السلطة بهدف رئيسي هو “إعادة هيكلة جذرية للنظام الإيراني استعدادًا لخلافة خامنئي”.

وأضاف “كان مرسوما لسليماني، القائد الفاتح، بتسيير حملة أخيرة إلى طهران نفسها، يطرد من خلال أتونها تلك الفصائل المتخاصمة ومعها الفساد المستشري في الطبقة الحاكمة لدى النظام، وبالتالي يعيد للثورة الإسلامية حيويتها وعنفوانها”، وفق ما كان يخطط لذلك خامنئي كإنجاز أخير لسيرته.

ويصف رجال الدين، الغاضبون من التحالف بين الرجلين القويين في إيران، سليماني بأنه ظل خامنئي لذلك أطلق عليه “الشهيد الحي” قبل أن يقتل، وهو من كان وراء تصعيده إلى فيلق القدس الذي تأسس رسمياً عام 1990 قبل أن يصبح قائدا له ويتحول إلى ورقة ضاغطة بيد المرشد الأعلى في وجه خصومه من المتشددين، الذين يختلفون مع خامنئي ليس بشأن استراتيجية زراعة الفوضى في المنطقة أو إثارة العداء مع السعودية، ولكن بشأن تقسيم المنافع والمناصب داخل السلطة وفق الولاءات الشخصية.