الصدر تنفس الصعداء بعد مقتل سليماني. وها هو يسعى إلى تقديم خدماته قاطعا الطريق على جزء عظيم من جمهوره ممن كانوا يراهنون على وطنيته… وما محاولة إحياء جيشه الميت إلا جزء من محاولة إحياء النظام الذي لم يعد من وجهة نظر العراقيين صالحا.
 

فشل مقتدى الصدر في خداع المتظاهرين الشباب ولم يقو على احتواء تظاهراتهم فقرر من طهران أن يبث الروح في جيش المهدي.

ولأنه يعرف جيدا أن لتلك الميليشيا تاريخا أسود في القتل والإرهاب والتشريد فقد أهدته قريحته المفتوحة على الإرهاب الطائفي فكرة أن يتم تأسيس أفواج لمقاومة دولية ترعاها إيران ويكون جيش المهدي نواتها.

واضح أن الرجل المعروف بتقلباته قد عاد إلى مرجعيته الإيرانية بما لا يقبل التراجع، وهو عن طريق تبنيه لفكرة الميليشيا الإرهابية العابرة للقارات إنما يسعى إلى إدهاش أولياء أمره.

 

الصدر الذي خدع الجميع بعراقيته يوما ما وجد في عزوف الشباب العراقيين عن المضي وراءه بعد أن نكث وعوده مرات عديدة مناسبة لإعلان رغبته في الانتقام منهم والتنكيل بهم. لكن من خلال غطاء المقاومة.

سينافس هذه المرة أرباب السياسة الحاكمين من الشيعة في العراق من أمثال نوري المالكي وهادي العامري وقيس الخزعلي في مهنتهم الغامضة وهي المقاومة بل أنه سيذهب بعيدا ليشارك سيد المقاومة اللبناني حسن نصرالله مائدته المفتوحة على المفاجآت التي تقع دائما تحت عنوان واحد هو “المقاومة”.

 

إنه مطمئن إلى أن أحدا ما لن يسأله ما المقصود بالمقاومة؟ وأين ستمارس أفواج المقاومة الدولية مهماتها؟ وضد مَن؟

الهدف واضح وهو عسكرة المجتمعات العربية التي قُدر لها أن تقع تحت الهيمنة الإيرانية. سيكون مصير من يقاوم تلك العسكرة أو يفند ضرورتها أو الحاجة إليها أن يقتل كونه عميلا أميركيا وإسرائيليا أو حتى سعوديا.

 

يعرف ذلك المحتال المعمم أن التهم الجاهزة تقود إلى الموت من غير محاكمة. ذلك ما خبره أثناء الحرب الأهلية (2006 ــ 2007). يومها تفنن جيش المهدي في ذبح العراقيين في محاولة منه لإثبات تفوقه على تنظيم القاعدة.

ومن المؤكد أن الصدر الذي لا يزال أتباع إيران من السياسيين العراقيين ينظرون إليه باعتباره صبيا أهوج وفاقدا لأي كفاءة أو أهلية عقلية سعى من خلال اقتراحه أن يسبقهم إلى نيل بركة الولي الفقيه الذي ينظر من عليائه إلى مشهد الإخوة الأعداء الذين يتسابقون من أجل تدمير العراق تأكيدا لإخلاصهم له وبحثا عن رضاه.

 

يعرف خامنئي أن لا شيء يعوضه فقدان ابنه البار قاسم سليماني. ولكنه لا بد أن يجد في ما يسعى إليه الصدر نوعا من الاستمرار في الدفاع عن القضية. وهي قضية تظل غامضة لمَن لم تكن له حصة في الجريمة.

يمكن تلخيص تلك القضية بـ”الحرب الدائمة”.

تلك الحرب التي ستكون المقاومة عنوانها هي محاولة لجر المنطقة إلى الخيار الإيراني وهو خيار انتحاري سيكون على شعوب المنطقة أن تدفع ثمنه. وهكذا يكون مقتدى الصدر قد نجح خفية في تمرير لعبته.

 

ولا يخفى أن الصدر من خلال لعبته الجديدة إنما يخطط لذبح العراقيين مرة أخرى. ذلك لأن جيش المهدي سيسعى إلى استعادة السيطرة على الشارع العراقي. وهو ما لم يتحقق من غير إنهاء الاحتجاجات وهزيمة الانتفاضة التي هزمت مقتدى الصدر وتياره.

ما صار المتظاهرون الشباب على بينة منه أنهم لن يتمكنوا من إنقاذ العراق واستعادته إلا بعد أن يتمكنوا من إسقاط الدولة الطائفية التي يشكل مقتدى الصدر وتياره أحد أعمدتها. وهي الحقيقة التي صار الصدر على معرفة بها. لذلك فإنه يسعى إلى استعادة دوره الإجرامي القديم مستغلا غياب قاسم سليماني عن المسرح. لم يكن سليماني يطيق رؤيته أو سماع اسمه.

 

تنفس الصدر الصعداء بعد مقتل سليماني. وها هو يسعى إلى تقديم خدماته قاطعا الطريق على جزء عظيم من جمهوره ممن كانوا يراهنون على وطنيته وإيمانه بالعراق المستقل.

تؤكد عودة الصدر المعلنة إلى حضن أسياده حقيقة صار المتظاهرون على بينة منها وهي أنه ما من أحد ممن ارتبطوا بآلة النظام الطائفي يمكن النظر إليه باعتباره شخصا وطنيا. وهو ما يجعل موقفهم أكثر صلابة في مواجهة محاولات النظام إعادة إنتاج حكومة، تكون بمثابة واجهة جديدة للفساد.

 

وما محاولة الصدر لإحياء جيشه الميت إلا جزء من محاولة إحياء النظام الذي لم يعد من وجهة نظر العراقيين صالحا للعيش.