ما يدلّ على حجم اللامبالاة تجاه الوضع اللبناني الخطير الإتيان بشخص مثل حسّان دياب لا يمتلك أيّ مؤهلات من أيّ نوع لتشكيل حكومة جديدة.
 

هناك أخطر من كلام حسن نصرالله الأمين العام لـ”حزب الله” على لبنان، وهو كلام قيل من بيروت بالذات عن إخراج القوات الأميركية من كلّ المنطقة انتقاما لتصفية الولايات المتحدة الجنرال قاسم سليماني. الأخطر هو لامبالاة القيّمين على “عهد حزب الله” في مواجهة التدهور الاقتصادي. ليس في لبنان من يريد تحمّل مسؤولياته واستيعاب معنى الأزمة الاقتصادية العميقة وتداعياتها، بما في ذلك احتجاز المصارف لأموال اللبنانيين والعرب والأجانب الذين أودعوا مبالغ كبيرة أو صغيرة فيها. إنّه اعتداء لا سابق له على لبنان أوّلا وعلى حقوق الناس، كلّ الناس، وذلك منذ ما قبل الاستقلال. يعود ذلك إلى أنّ المصارف، والثقة بها، تشكّل أحد الأعمدة التي تؤمّنُ بقاء البلد على قيد الحياة.

ما يدلّ على حجم اللامبالاة تجاه الوضع اللبناني الخطير الإتيان بشخص مثل حسّان دياب لا يمتلك أيّ مؤهلات من أيّ نوع لتشكيل حكومة جديدة. لعلّ أوّل ما تحتاجه هذه الحكومة أشخاصا مستقلّين يمتلكون كفاءة في المجال الذي يديرونه. كذلك، تحتاج مثل هذه الحكومة إلى رئيس يوفّر غطاء سياسيا للبنان الذي عزل نفسه عن محيطه العربي. معنى ذلك أن أي رئيس للحكومة الجديدة في لبنان يجب أن يمتلك شبكة علاقات عربية ودولية، إضافة إلى مدخل إلى واشنطن. هل يكفي أن يكون حسّان دياب شغل موقع نائب رئيس الجامعة الأميركية في بيروت حتّى يصبح في وضع يمكّنه من زيارة أيّ عاصمة عربية أو أوروبية، أو أن تقبل واشنطن باستقباله رسميا وليس كمجرّد زائر يحضر أحد المؤتمرات كما حال جبران باسيل وزير الخارجية في الحكومة المستقيلة وصهر رئيس الجمهورية.

من الطبيعي أن يقول الأمين العام لـ”حزب الله” الكلام الذي قاله في ضوء العلاقة الخاصة التي تربطه بإيران عموما وبقاسم سليماني خصوصا من جهة، ووضع الحزب على خارطة لبنان والمنطقة من جهة أخرى. لم ينكر نصرالله أن علاقة قويّة تربطه بقائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الإيراني. كذلك، لم يخف يوما أنّه “جندي” في جيش الوليّ الفقيه أي في جيش علي خامنئي الذي يشغل موقع “المرشد” في “الجمهورية الإسلامية”.

ما لا يخفى على أحد أن “حزب الله” ليس سوى لواء في “الحرس الثوري” الإيراني. وعندما يزور سليماني بيروت وأي منطقة في لبنان، إنّما يأتي لتفقد قوات صديقة تعمل ضمن الإطار نفسه الذي يعمل فيه “فيلق القدس”. من هنا، ليس مستغربا أن يتحدّث حسن نصرالله عن مفهومه لـ”القصاص العادل” ردّا على اغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس نائب قائد “الحشد الشعبي” في العراق. لا يأخذ هذا المفهوم، الذي يدعو إلى “إخراج القوات الأميركية من كلّ منطقتنا”، في الاعتبار أي مصلحة لبنانية. يبقى الاقتصاد اللبناني وأرزاق اللبنانيين آخر همّ لدى “حزب الله”. كلّ ما هناك أن الأمين العام لـ”حزب الله” ينفّذ أجندة إيرانية ولا شيء آخر. ينفّذ هذه الأجندة بغض النظر عن طبيعة العلاقة القائمة بين ميليشيا حزبه، أو الحزب – الميليشيا، و”فيلق القدس” وما إذا كانت العلاقة مجرّد تنسيق بين طرفين تابعين لإيران يشاركان في حروب عدّة تدور في المنطقة، خصوصا في سوريا واليمن… أو أكثر من ذلك بكثير.

المؤسف أن “عهد حزب الله” في لبنان استحقّ أكثر هذه التسمية بعد اغتيال قاسم سليماني وأبومهدي المهندس. لم يظهر كبار المسؤولين اللبنانيين، باستثناء سعد الحريري رئيس حكومة تصريف الأعمال، أي شعور بالمسؤولية، أقلّه من أجل حماية لبنان وتمكينه من تجاوز المرحلة الصعبة المصيرية التي يمرّ فيها. لم يكن هناك أي استيعاب لواقع يتمثل في أنّ لا مصلحة، من أيّ نوع، للبنان في الظهور في مظهر التابع لإيران، خصوصا أن المواجهة هي بين الولايات المتّحدة و”الجمهورية الإسلامية”. يستطيع أي لبناني أن يسأل نفسه ما الذي فعلته إيران للبلد غير تصدير السلاح والغرائز المذهبية إليه، وما الذي فعلته الولايات المتحدة التي يكفي أنّها بنت الجامعة الأميركية في بيروت.

في النهاية، من غير الولايات المتحدة أو المؤسسات المالية الدولية التي تؤثّر عليها تأثيرا كبيرا يستطيع مساعدة الاقتصاد اللبناني والمصارف اللبنانية التي ستفقد كلّ أهميتها ودورها في حال بقي الوضع الراهن على حاله؟

ما تقوم به السلطة اللبنانية، على أعلى المستويات، يتناقض كلّيا مع مصلحة لبنان المقبل على انهيار كبير، انهيار ثمّة من يعتقد، عن حقّ، أنّه حصل فعلا في اليوم الذي توقّفت فيه المصارف عن توفير العملة اللبنانية والعملات الأجنبية لعملائها.

يحصل هذا كلّه من دون أن يوجد من يسأل عن قيمة الوقت الذي ضاع، أو عن الفائدة من الإتيان بشخص لا وزن له ولا خبرة ولا علاقات لتشكيل حكومة. لا يوجد من يسأل ما الفائدة من الدخول في بازار وزاري مبني على محاصصة من نوع جديد بين قياديين في مجموعة معينة، هي “التيّار الوطني الحر” والثنائي الشيعي.

هل في استطاعة حكومة تشكّل عن طريق هذه المجموعة وتعتمد المحاصصة في ما بينها الإقدام على أيّ خطوة تؤدي إلى تغيير في الموقف الأميركي من لبنان أو إلى إعادة مدّ الجسور مع الدول العربية القادرة على توفير مساعدات للبلد كما كان يحصل في الماضي؟

حسنا، يمكن أن ننسى أميركا، كما يمكن أن ننسى أوروبا التي أبدت في الماضي استعدادا لمساعدة لبنان. كذلك يمكن أن ننسى الدول العربية القادرة، لكن ما لا يمكن نسيانه هو سؤال في غاية البساطة. من البديل من أميركا وأوروبا والدول العربية القادرة على مساعدة لبنان شرط أن يعود إلى ما كان عليه، أي إلى دولة عضو في جامعة الدول العربية وليس صوت إيران في اجتماعات مجلس الجامعة؟

في غياب أي جواب مقنع عن هذا السؤال، باستثناء كلام “حزب الله” عن الصين أو السوق العراقية، أي عن أوهام ليس إلّا، يبدو لبنان في طريقه إلى كارثة حقيقية. من كان في حاجة إلى تأكيد لذلك لم يعد في حاجة إلى مثل هذا التأكيد بعد الخطاب الأخير لحسن نصرالله وبعد تصرّفات رجالات “عهد حزب الله” من كبار المسؤولين إثر تصفية الأميركيين لقاسم سليماني وأبومهدي المهندس ورفع صور قائد “فيلق القدس” على طريق مطار بيروت. باختصار شديد عاقب لبنان نفسه عندما فات كبار المسؤولين أنّ الانضمام إلى “محور الممانعة” يعني بين ما يعنيه تعرّض لبنان لقصاص قد يكون عادلا كما قد لا يكون، لكنّه قصاص فعلي يطال مستقبل كل لبناني.