وصفت أوساط دبلوماسية زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى دمشق في أجواء التوتر الخطير الذي نجم عن قيام الولايات المتحدة بقتل قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، بأنها تهدف إلى تحييد سوريا في المواجهة، ومنع أيّ هجمات انتقامية ضد إسرائيل قد تلجأ إليها ميليشيات محسوبة على إيران في سياق استراتيجية الرد عبر الوكلاء التي تتجه إيران لاعتمادها ضد أهداف تابعة للولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة.
 
ولفتت المصادر إلى أن زيارة بوتين لدمشق توجه رسالة حازمة لإيران بأن الشأن السوري، وبموافقة المجتمع الدولي، يبقى، في شقيه العسكري والسياسي، برعاية موسكو، وأن روسيا لن تسمح لطهران باستخدام الأراضي السورية في معرض أي ردّ هددت به طهران أو هدّد به الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ضد الوجود الأميركي في المنطقة.

ويحضّر مقتل سليماني المنطقة لترتيبات كبرى وأن الرئيس الروسي يود أن يكون حاضرا داخل أيّ ترتيبات محتملة، وأن بوتين يعتبر أن الميدان السوري هو جزء لا يتجزأ من ميادين النفوذ الاستراتيجية الأساسية لموسكو في المنطقة، وبالتالي فهو يوجه من هناك رسائل متعددة الوجهات.

وفضلا عن الرسائل الروسية بشأن تحييد سوريا عن لعبة تصفية الحساب الإيرانية – الأميركية والإسرائيلية، فإن زيارة بوتين ولقاءه الرئيس السوري بشار الأسد كان أشبه بإعلان انتصار عسكري سوري روسي، في وقت تتجه الأوضاع في إدلب لفائدة دمشق وموسكو خاصة مع تخلّي أنقرة عن حلفائها في سياق حسابات تتعلق باسترضاء روسيا والبحث عن تفهّم لتدخّلها في ليبيا.

ولم تكن زيارة بوتين، الثلاثاء، لدمشق ولقاءه الأسد في مقر تجميع القوات الروسية في العاصمة الروسية مثل الزيارة السابقة التي التقى به فيها في قاعدة حميميم، أي زيارة لمسرح العمليات العسكرية للقوات الروسية، فيما هي الآن زيارة على وقع استقرار الأوضاع لفائدة النظام المدعوم روسيا. لكن الاجتماع في مقر القوات الروسية فيه إشارة إلى أن روسيا هي صاحبة الفضل والقرار الأول في سوريا.

وقال الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، وفق ما نقلت وكالات أنباء روسية، “خلال محادثاته مع الأسد، لفت بوتين إلى أنه اليوم، يمكن القول بثقة إنه تمّ اجتياز طريق هائل نحو إعادة ترسيخ الدولة السورية ووحدة أراضيها”.

ونقل بيسكوف عن بوتين قوله “كان يمكن أن نرى بالعين المجردة عودة الحياة بسلام إلى شوارع دمشق”.

وقال إن الأسد أعرب لبوتين “عن امتنانه للمساعدة التي قدمتها روسيا والجيش الروسي في المعركة ضد الارهاب ومن أجل عودة السلام الى سوريا”.

وجاءت زيارة بوتين المفاجئة لدمشق عشية زيارة يقوم بها لتركيا، حيث من المقرر أن يلتقي نظيره التركي رجب طيب أردوغان في وقت تميل فيه موازين القوى بشكل واضح لفائدة القوات الروسية والسورية في معركة إدلب كونها آخر جيوب المعارضة المدعومة تركيّا.

ونشرت صورة للأسد وهو يصافح بوتين بينما يتوسطان وزيري الدفاع في البلدين، وجلس خلفهما ضباط روس. وأوردت الرئاسة الروسية أن الرئيسين “استمعا إلى عرض عسكري من قبل قائد القوات الروسية العاملة في سوريا”.

وذكرت أن الرئيسين عقدا اجتماعاً بحثا فيه “التطورات الأخيرة في المنطقة”.


وتناول اللقاء، بحسب المصدر، “خطط القضاء على الإرهاب الذي يهدد أمن وسلامة المواطنين السوريين في إدلب وتطورات الأوضاع في الشمال السوري والإجراءات التي تقوم بها تركيا هناك”. كما بحث الجانبان “دعم المسار السياسي وتهيئة الظروف المناسبة له”.

وجال الأسد مع ضيفه الروسي في مدينة دمشق، حيث زار “الجامع الأموي الكبير واطلع على معالمه، كما زار فيه ضريح النبي يحيى عليه السلام (القديس يوحنا المعمدان)، وسجل كلمة في سجل الزوار”، بحسب الرئاسة السورية.

كما زار الكاتدرائية المريمية للروم الأرثوذكس، التي تعدّ من أقدم الكنائس في العاصمة السورية، حيث كان في استقباله بطريرك أنطاكيا وسائر المشرق يوحنا العاشر يازجي، وفق صور نشرتها الرئاسة.

وهنأ الأسد الضباط والعسكريين الروس بمناسبة عيد الميلاد الأرثوذكسي الذي يصادف يوم أمس الثلاثاء، معرباً “عن تقديره وتقدير الشعب السوري لما يقدمونه من تضحيات إلى جانب أقرانهم من أبطال الجيش العربي السوري”، وفق الرئاسة السورية.

وقدّم بوتين بدوره التهاني لقواته العاملة في سوريا بمناسبة عيد الميلاد، بحسب المصدر نفسه.

وسبق لبوتين أن زار سوريا في ديسمبر 2017، لكنّ زيارته اقتصرت حينها على قاعدة حميميم الواقعة على الساحل السوري غرباً، والتي تتخذها روسيا مقراً لقواتها.