قصفت إيران بصواريخ باليستية فجر الأربعاء قاعدتين في العراق يتمركز فيهما جنود أميركيون ردّاً على مقتل قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية في بغداد قبل خمسة أيام، في منعطف تصعيدي جديد يخشى أن يؤدّي إلى اندلاع نزاع مفتوح على الأراضي العراقية.
 
وأعلن البنتاغون بعد منتصف ليل الثلاثاء بتوقيت المنطقة أن إيران قصفت من أراضيها قاعدتي عين الأسد وإربيل اللتين تستخدمهما القوات الأميركية في العراق.
 
وحذرت إيران الولايات المتحدة من مغبة الرد على الهجوم الذي نفذته وقال الحرس الثوري إن أي إجراءات تتخذها الولايات المتحدة للرد على الهجمات الصاروخية التي شنتها طهران على أهداف أمريكية في العراق سيقابله رد جديد، حسبما أورد التلفزيون الإيراني الرسمي.
 
ونقل التلفزيون عن الحرس الثوري قوله "يعلم الأمريكيون الآن أن إيران تستطيع استهداف قواعدهم... قواعدهم ستكون في مرمى الاستهداف إذا ردت الولايات المتحدة على الهجمات الصاروخية الإيرانية في العراق".
 
 وقال مستشار للرئيس الإيراني حسن روحاني الأربعاء إن أي رد أميركي على هجمات إيران الصاروخية على أهداف أمريكية في العراق قد يؤدي إلى حرب شاملة في الشرق الأوسط.
 
وأضاف حسام الدين آشنا في بيان على تويتر "أي عمل عسكري مضاد من جانب الولايات المتحدة سيُواجه بحرب شاملة في جميع أنحاء المنطقة.
 
وتستشعر جميع بلدان المنطقة وجود مخاطر بالغة تتهدّدها جرّاء التصعيد غير المسبوق بين طهران وواشنطن إثر مقتل قاسم سليماني.
 
ولا يستثني القلق إيران بحدّ ذاتها رغم علوّ نبرتها في التهديد بردّ “مزلزل” على مقتل سليماني لعلمها بأن دخولها في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة سيكون بمثابة انتحار.
 
وأعلنت قيادة العمليات المشتركة العراقية صباح الأربعاء في بيان سقوط 22 صاروخاً في العراق، بعدما قصفت إيران بصواريخ بالستية فجراً قاعدتين عسكريتين يتمركز فيهما جنود أميركيون ردّاً على مقتل قائد "فيلق القدس" الجنرال قاسم سليماني بضربة أميركية.
 
وأشار البيان الذي نشر بعد نحو سبع ساعات من الهجوم ولم يشر إلى إيران، إلى أن القصف استمر نصف ساعة "وقد سقط 17 صاروخاً على قاعدة عين الأسد الجوية  وخمسة صواريخ على مدينة أربيل"، مشيراً إلى أنه "لم يسجل أي خسائر ضمن القوات العراقية" من دون تفاصيل عن الجنود الأميركيين.
 
وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّه سيدلي بتصريح صباح الأربعاء حول الضربة.
 
وقال في تغريدة على "تويتر"، "كل شيء على ما يرام! لقد أطلقت صواريخ من إيران على قاعدتين عسكريتين في العراق. تقييم الخسائر والأضرار جارٍ الآن. حتى الآن كل شيء على ما يرام! لدينا الجيش الأكثر قوة والأفضل تجهيزاً في العالم، وبفارق شاسع! سأدلي بتصريح صباح الغد".
 

من جهته غرّد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف من جهته قائلا إن بلاده نفذّت "إجراءات متكافئة في إطار الدفاع عن النفس بموجب المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة من خلال استهداف القاعدة التي شنّت منها هجمات جبانة ضدّ مواطنينا وضباطنا الرفيعي المستوى".

وأضاف "نحن لا نسعى إلى التصعيد أو الحرب، لكنّنا سندافع عن أنفسنا ضدّ أيّ اعتداء".

 

وكان الحرس الثوري الإيراني تبنّى الهجوم، من دون أن يذكر قاعدة إربيل.

وقال حرس الثورة الإسلامية في بيان إنّه أطلق "عشرات الصواريخ أرض - أرض على القاعدة الجوية المحتلّة من الجيش الإرهابي الأميركي المعروفة باسم عين الأسد" بمحافظة الأنبار، مشيرا الى أن العملية جاءت "انتقاما لاغتيال" سليماني.

ويأتي هذا الهجوم بعد خمسة أيام من مقتل الجنرال الإيراني النافذ قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد العراقي أبو مهدي المهندس الذي كان يعتبر رجل طهران الأول في العراق، في ضربة بطائرة مسيّرة أميركية قرب مطار بغداد فجر الجمعة الماضي.

وتوعّدت طهران حينها "بردّ قاس".

وحذّر الحرس الثوري في بيانه فجر الأربعاء "الشيطان الأكبر والنظام الأميركي من أنّ أيّ عمل شرير أو اعتداء او تحرّك آخر سيواجه ردّاً اكثر ايلاماً وقساوة".

وقال "ننصح الشعب الأميركي بسحب القوات الأميركية من المنطقة منعاً لوقوع المزيد من الخسائر ولعدم السماح بتهديد حياة المزيد من العسكريين الأميركيين بسبب الكراهية المتزايدة للنظام" الأميركي.

كما هدّد بضرب "إسرائيل" و"حكومات حليفة" للولايات المتحدة في المنطقة.

وبعد ساعات من الضربة الصاروخية الإيرانية، أعلنت واشنطن أنها منعت الطيران المدني الأميركي من التحليق فوق العراق وإيران ومياه الخليج وبحر عمان، ما يؤشّر إلى مخاوف من تصعيد عسكري بين الطرفين.

وقال الخبير في المجموعات الشيعية المسلحة فيليب سميث "هذا تصعيد كبير"، مضيفاً أنّ "إطلاق صواريخ بالستية علناً من إيران باتّجاه أهداف أميركية يُعدّ مرحلة جديدة"، مذكّراً بأنّ إيران كانت حتى اليوم تستهدف الأميركيين عبر مجموعات مسلحة موالية لها.

وكانت واشنطن أعلنت في وقت سابق أنّ قواتها لن تغادر العراق، على الرّغم من التهديدات التي استهدفتها وطلب البرلمان العراقي من الحكومة وضع حدّ لوجود كل القوات الأجنبية في البلاد.

واعتبر ترامب الثلاثاء أن انسحابا للقوات الاميركية من العراق سيكون "أسوأ ما يمكن أن يحدث للعراق". وقال "في توقيت معين سنخرج (...) لكن هذا التوقيت لم يأت بعد".

وحصل التباس حول الموقف الأميركي الإثنين بعد الكشف عن رسالة أميركية رسمية موجهة الى السلطات العراقية تفيد بأن واشنطن بدأت الاستعدادات لسحب جنودها من العراق.

لكن وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر أكّد أن الولايات المتحدة لن تسحب قواتها من العراق، نافيا وجود رسالة موقعة من الجانب الأميركي حول ذلك، رغم تأكيد رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي تلقّيه نسخة موقّعة من رسالة أميركية تعرض خطوات "الخروج" من بلاده.

في المقابل، أعلنت دول عدة في التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد الجهاديين، أنها قررت سحب جزء من قواتها من العراق أو إعادة تموضعها، وبينها كندا وحلف شمال الأطلسي وألمانيا ورومانيا، بينما أعلنت فرنسا وإيطاليا بقاء قواتها.

وأقيمت الثلاثاء مراسم تشييع لسليماني في كرمان، مسقط رأسه في جنوب شرق البلاد، شاركت فيها حشود ضخمة صدحت أصواتها بهتافات "الانتقام" و"الموت لأميركا".

وقتل 56 شخصا وجرح 213 آخرون في تدافع حصل خلال التشييع، بحسب حصيلة رسمية نشرتها وسائل الإعلام الإيرانية.

وذكرت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية أن سليماني ووري الثري ليلاً.

ومنذ اغتيال سليماني، عبّرت الأمم المتحدة ودول عدة عن الخشية من تصعيد إضافي في منطقة الشرق الأوسط، وصدرت دعوات الى "ضبط النفس"، فيما تكثفت الاتصالات الدبلوماسية.

واتصلت المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل بترامب لبحث الوضع.

واجتمع وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا الثلاثاء في بروكسل لمناقشة تداعيات اغتيال سليماني.

وأجرى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون اتصالا هاتفيا الثلاثاء بالرئيس الإيراني حسن روحاني.

وتلقّى الرئيس العراقي برهم صالح اتصالا هاتفيا من الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريش أكد خلاله الحرص "على دعم استقرار العراق وحفظ سيادته"، مشدداً على "ضرورة ضبط النفس والاحتكام الى لغة العقل والحكمة في معالجة الأزمات"، وفق بيان عراقي رسمي.