بعد الحدث الكبير الذي تمثّل باغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في العراق، أطلّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله وفي جعبته الكثير من الرسائل التي بعث بها الى الولايات المتحدة الأميركية نيابة عن طهران، فحضر المعطى الاقليمي في حديثه وغاب لبنان إلا قليلاً، الأمر الذي إن دلّ على شيء فعلى أن الهم الأساس لدى حزب الله في الوقت الراهن هو المعطى الإقليمي بعد اغتيال سليماني بما يشكله من رمز لكل المنظومة التي تدور في فلك ايران على مستوى المنطقة بل والعالم، وبالتالي هذا الأمر يشكل التركيز الأول والأخير حاليا لدى الحزب ومن يمثّل.
 
سلكت التطورات في الشرق الأوسط منعطفات حرجة. ما قبل اغتيال قاسم سليماني لن يكون كما بعده، كل المعطيات تفيد بذلك، بما فيها إعلان امين عام حزب الله السيد حسن نصر الله أن المنطقة تدخل في مرحلة جديدة بعد الثاني من كانون الثاني 2020. ولا بد لهذه المرحلة الجديدة ان تنطوي على متغيرات سياسية وجيوستراتيجية في العراق، سوريا ولبنان. 
 
تزامناً مع اغتيال سليماني بدأت حركة سياسية تجاه ايران لمنع تفاقم الاوضاع نحو التصعيد، وتجنب الانزلاق الى مواجهات مفتوحة، تتطاير شظاياها في المنطقة كلها. حتماً ستبحث ايران عن أفق للرد وقد وضعت عنواناً اساسياً لذلك يتركز على الانسحاب الاميركي من العراق ومن الشرق الاوسط، وهو ايضاً ما اعلن عنه نصرالله، الذي اعتبر أن كل القواعد الاميركية في المنطقة ستكون مستهدفة، وحتى البوارج العسكرية والجنود الاميركيين. ولكن على ما يبدو ان نصرالله قد حيّد لبنان عن هذه المعارك، اذ انه لا يحوي قواعد عسكرية اميركية.
 
لكن بدون شك ان تداعيات ما جرى ستنسحب على لبنان سياسياً، اذ سيظهر حزب الله تصلباً في فرض خياراته، وسيكون الانقسام حول العلاقة مع الولايات المتحدة الاميركية على محك اليوميات اللبنانية، وطبعاً هذا ما سينعكس في مؤسسات الدولة وموقفها الرسمي، لأن المعادلة التي طرحها نصرالله، اذا ما تم الالتزام بها، قد تعني القطيعة مع الاميركيين الذين يقدمون المساعدات للجيش والقوى والامنية وغيرها، وهذه سيترتب عليها تداعيات كثيرة. في هذا السياق أكد مطلعون على مداولات تشكيل الحكومة أن التشكيلة باتت جاهزة وأن التأخير متعلق بالاتفاق على تفاصيل مرتبطة ببعض الأسماء بعد أن تم الاتفاق على الشكل العام للحكومة وحصص الطوائف داخلها، وأنه ما زال هناك نقاش حول قبول بعض الجهات بتولي حقائب معينة أو رفضها.
 
بيد أن مصادر دبلوماسية لمّحت إلى أن عواصم دولية كبرى تراقب عن كثب ما يتسرب من مداولات بشأن حكومة دياب، وأنها أبلغت من يهمه الأمر بأنها ستنظر بعين القلق إلى تولي التيار الوطني الحر إحدى الحقائب الأساسية في الحكومة المقبلة، الدفاع والداخلية والخارجية.
 
وتعتبر هذه العواصم أن التيار يمثل سياسة حزب الله وأجندته، وأن مروحة المساعدات المالية الدولية ستتأثر سلبا بهوية الوزراء الذين سيتحكمون بحقائب بهذا المستوى.
 
ورأت مصادر أن وزارة الداخلية المتفق أن تبقى من حصة الطائفة السنية باتت مهمة بالنسبة لتقييم المجتمع الدولي لما لهذه الوزارة من دور في التعامل مع الحراك الشعبي في لبنان، وفي تنسيق المعلومات مع أجهزة المخابرات في العالم.
 
وكشفت المصادر أن زعيم التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل لم يضع أي فيتو لاستبعاد الوزير الأسبق دميانوس قطار عن وزارة الخارجية، بل إن الأمر متعلق بموافقة حزب الله على الأمر، واعتبرت المصادر أن الأمر يكشف للمجتمع الدولي أن الحكومة المقبلة مخترقة ولن تستطيع التحرك باستقلالية عن قرار الحزب وإيران.
 
طبعاً تراهن ايران كما واشنطن على الدخول في مسار طويل للمفاوضات والوصول الى اتفاق على غرار الاتفاق النووي، لكن ذلك يحتاج الى مسار طويل من الشد والجذب والتصعيد العسكري بعمليات موضعية ومتنقلة، ستشهد معها دول المنطقة توترات امنية وسياسية كما هو الحال القائم في لبنان والعراق. 
 
وطبعاً بموازاة البحث من قبل ايران وحلفائها عن آفاق الرد على اغتيال سليماني، فإن لبنان سيكون امام العديد من المفترقات التي سيصر فيها حلفاء ايران على تحقيق الانجازات السياسية، بالتشبث بتشكيل حكومة موالية لهم مصبوغة بصبغة المستقلين او الاختصاصيين أعطيت اليد الطولى في تكليفها الى جبران باسيل الذي كان يعقد اللقاءات مع المستوزرين ويجري لهم فحوصات اختبار للموافقة على تعيينهم او عدمها.
 
سيكون لبنان إذا أمام المزيد من الضغوط السياسية والاجتماعية بفعل الأزمات المتلاحقة فيها وفي المنطقة، وهو حتماً سيكون على صفيح ساخن ومتحرك في آن، وبلا شك ان النهج المتبع من قبل حلفاء حلفاء ايران والذين يستقوون بسواعدها لا يخدم المصلحة الوطنية، انما يتسبب بالمزيد من التصدعات والانهيارات، طالما ان أصحابه لم يتعلموا من التاريخ وأن لبنان يحكم دوماً بالحفاظ على التوازنات لا على  المكاسرة، التي ستكون شديدة بالتأكيد في المرحلة المقبلة.