حوّل إقدام القوات الأميركية على قتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني في العراق مسارات الحديث من الخوض في الأزمة السياسية الداخلية في إيران إلى التركز على تداعيات هذا الحدث البارز على مصير منطقة الشرق الأوسط.
 
وفيما ركزت جل التقارير الدولية على استشراف ما سيحصل من تطورات في الشرق الأوسط قد تصل حد بداية الحرب العسكرية المفتوحة بين واشنطن وطهران، فإن الكثير من المتابعين الآخرين ذهبوا لتناول عملية قتل سليماني من زاوية كيف سيوظف النظام الإيراني هذا التطور الجديد لمحاولة إنقاذ نفسه من الانهيار.
 
قبل مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني بضربة أميركية استهدفته في مطار بغداد الدولي، ركز المراقبون في قراءاتهم للشأن الداخلي الإيراني على محاولة فهم الأوراق الجديدة التي سيوظفها النظام لإخماد أصوات الشوارع الإيرانية المحتجة ضده وضد رموزه وقادته.
 
لكن بعد مقتل سليماني يبدو أن الأمر قد تغيّر، حيث شكلت الحادثة منطلقا هاما للجمهورية الإسلامية والمحافظين في البلاد للاستفادة من المشهد على الصعيد الداخلي، وذلك بعد شهرين من تظاهرات قمعتها السلطات بعنف تخللتها انتقادات للسياسة الخارجية.
 
وتدفع قيادات النظام الإيراني وفي مقدمتها آية الله علي خامنئي إلى ضرورة الاستفادة من رمزية الحدث لدى الإيرانيين، وخاصة مما يحظى به سليماني من شعبية للخروج من مأزق الاضطرابات الداخلية التي دشنتها الاحتجاجات العارمة في الأشهر الأخيرة من عام 2019 والتي طالبت بإسقاط النظام.
 

وأثار اغتيال مهندس العمليات الإيرانية في الخارج في بغداد بطائرة مسيرة أميركية ليل الخميس – الجمعة، موجة من التأثر في البلاد لن تتوانى السلطات في إيران عن استغلالها.

وبالنسبة للدبلوماسي السابق والمحلل الأميركي آرون ميلر، “فإن قتل سليماني الذي يساوي أميركياً رئيس وكالة الاستخبارات المركزية (سي.آي.إيه) ومدير قيادة العمليات الخاصة مجتمعين، يعني أن الولايات المتحدة قضت على ثاني أقوى شخصية في إيران”.

ويتيح مقتل سليماني الذي وصفه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي بـ”الشهيد الحي”، لطهران أن تستثمر اسمه. لكن السفير الفرنسي السابق في طهران فرنسوا نيكولو يرى أن “هناك فرصة” حاليا أمام السلطات في إيران “لتحويل الضربات الأميركية عن مسارها. ليس لوقت طويل، لكن مشاعر التأثر الشعبي ستبقى”، مضيفاً أن سليماني “كان يمثل الصورة الجميلة للجندي في الخيال الإيراني”.

ويعتبر العديد من الإيرانيين سليماني بمثابة بطل يعتمدون عليه لتجنيب إيران الوضع الذي عانى منه العراق وسوريا أو أفغانستان.

في أكتوبر، أكد استطلاع للمعهد الأميركي للدراسات الدولية والأمنية في ميريلاند أن الجنرال سليماني كان بالفعل من أكثر الشخصيات السياسية المحبوبة في إيران، إذ حصل على تأييد ثمانية أشخاص من كل عشرة إيرانيين شملهم الاستطلاع.

غضب عميق

قد يدفع مقتل الجنرال سليماني طهران أيضاً الى التقوقع على ذاتها في وضع دفاعي. ورأى مسؤول الشؤون الإيرانية في مجموعة الأزمات الدولية علي فايز في تغريدة على تويتر أنه “من شبه المضمون أن يصبح البرلمان الإيراني بيد العناصر الأكثر تشدداً في إيران” بعد الانتخابات التشريعية في فبراير.

وشملت تظاهرات اندلعت في 15 نوفمبر في البلاد، بعد الإعلان عن زيادة كبيرة في أسعار البنزين في ظل أزمة اقتصادية خانقة، المئات من المدن الإيرانية.

وبعد أيام، أعلنت السلطات نجاحها في إعادة الهدوء إلى البلاد، لكن دون أن تورد حصيلة لأعداد الضحايا، بينما أشارت منظمة العفو الدولية إلى مقتل 300 شخص. وتم توقيف الآلاف.

تحت ضغط العقوبات الإيرانية، تدهورت قيمة العملة المحلية الريال، كما ارتفع التضخم. وبحسب التقديرات الأخيرة لصندوق النقد الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في إيران عام 2019 بنسبة 9.5 بالمئة.

وقدّم الرئيس الإيراني حسن روحاني في ديسمبر “ميزانية التصدي” للعقوبات الأميركية.

وتعتبر المحللة أريان طبطبائي من معهد “راند” الأميركي للأبحاث في أن “الشكاوى الشعبية التي قادت إلى التظاهرات لا زالت قائمة. ويمكن للنظام أن يستغل (موت الجنرال) ليواصل قمع المعارضة”، بحجة أن المعارضين ينفذون الأجندة الأميركية.

وترى المحللة أنه رغم كل شيء كانت لسليماني صورتان متناقضتان: صورة البطل المدافع عن البلاد “السائدة في أوساط الشباب المؤيد للنظام”، وصورة أحد كوادر “المنظمة المسؤولة عن القمع وارتكاب انتهاكات” في نظر آخرين.خلال تظاهرات عام 2017 و2018، وكذلك تظاهرات ديسمبر، ندد البعض بالثمن الداخلي الذي يدفع في إيران مقابل الطموحات الإقليمية للنظام التي جسدها سليماني أكثر من غيره.

ويلفت آرون ميلر إلى أن “الملايين من الإيرانيين يريدون المزيد من الروابط مع العالم الخارجي، والمزيد من الازدهار الاقتصادي، والمزيد من الحرية”.

صفحة جديدة من التوظيف

لكن المتشددين في النظام الإيراني اختاروا حتى الآن عدم الإصغاء لتلك التطلعات. إلا أن اغتيال سليماني يضعف هذا الخط سياسياً على الأقل لجهة أن طهران لم تتوقع حدوث ما حدث.

قبل يومين من اغتيال سليماني، هاجم متظاهرون عراقيون مؤيدون لإيران سفارة الولايات المتحدة في بغداد، منددين بضربات جوية أميركية ضد كتائب حزب الله العراقي، وهو فصيل في الحشد الشعبي موال لإيران، أسفرت عن مقتل 25 شخصاً.

وكتب حينها علي خامنئي على تويتر “لا يمكنكم أن تفعلوا شيئاً”، في إشارة إلى عجز الأميركيين إزاء إيران. ويعتبر فرنسوا نيكولو أن هذا الكلام يعكس “سوء تقدير” من جانب الإيرانيين، لأن “الولايات المتحدة وجدت طريقة للرد”.

ويحذّر الخبراء من أن تكرّر إيران الهفوة نفسها. ويرى المحلل أليكس فانتا من “معهد الشرق الأوسط في واشنطن” أنه “إذا كان على إيران الاختيار بين إنقاذ النظام وتوسيع نفوذها في المنطقة”، فهي ستختار الأول. ويضيف أن موت سليماني “لا يدمر قدرة إيران على التوسع. لكن على النظام الإيراني، خلال دراسته كيفية الرد على واشنطن، أن يقدّر العواقب كافة”.